وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ أي تحية وتكريما فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً كما قال في الآية الأخرى: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [ص: ٧٦] ، قالَ أي جراءة على الرب وكفرا به أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ أي أخبرني عن هذا الذي كرمته عليّ بأن أمرتني بالسجود له، لم كرمته عليّ؟ أو المعنى: أخبرني أهذا الذي كرمته عليّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا أي لأعمينّهم وأهلكنّهم بالإغواء، إلا المخلصين.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٦٣ الى ٦٥]
قالَ اذْهَبْ أي امض لشأنك الذي اخترته فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً أي جزاء مكملا وَاسْتَفْزِزْ أي استخفف وأزعج مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ أي أن تستفزه فتخدعه بِصَوْتِكَ أي بدعائك إلى الفساد. وعبّر عن الدعاء بالصوت تحقيرا له حتى كأنه لا معنى له: وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ أي صح عليهم. من الجلبة (بفتحات) وهي الصياح. و (الخيل) الخيالة أي ركبان الخيل مجازا. وأصل معنى الخيل الأفراس. (والرّجل) اسم جمع للراجل وهو خلاف الفارس والمراد الأعوان والأتباع مطلقا.
قال الزمخشري: فإن قلت: ما معنى استفزاز إبليس بصوته وإجلابه بخيله ورجله؟ قلت: هو كلام ورد مورد التمثيل، مثلت حاله في تسلطه على من يغويه، بمغوار- بكسر الميم، الكثير الغارة وهي الحرب والنهب- أوقع على قوم فصوت بهم صوتا يستفزهم من أماكنهم، ويقلقهم عن مراكزهم. وأجلب عليهم بجنده من خيالة حتى استأصلهم- أي فالكلام استعارة تمثيلية مركبة. استعير فيه المجموع والهيئة للمجموع والهيئة. ووجهه ما ذكره من استئصالهم وإهلاكهم، أو غلبته وتسخيره لهم. وجوز أن يكون التجوز في المفردات تجوزا بصوته عن دعائه إلى الشر بالوسوسة. وبخيله ورجله عن كل راكب وماش من أهل العبث والفساد بإغوائه.
وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ أي بحمله إياهم على إنفاقها في المعاصي وجمعها من حرام والتصرف فيها تحريما وتحليلا بما لا يرضى وَالْأَوْلادِ أي بالتفاخر فيهم