علماؤنا بقولهم: الله محب ومحبوب، ومريد ومراد ونحو ذلك من الألفاظ. كما يقال للسلطان: الملك. وقول الناس: رب الأرباب وإله الآلهة وملك الملوك، مما يكشف عن تقدم ذلك التعارف، ويقوي ذلك ما يروى أن يعقوب كان يقال له بكر الله، وأن عيسى كان يقول: أنا ذاهب إلى أبي. ونحو ذلك من الألفاظ. ثم تصور الجهلة منهم، بأخرة، معنى الولادة الطبيعية. فصار ذلك منهيا عن التفوه به في شرعنا، تنزها عن هذا الاعتقاد، حتى صار إطلاقه، وإن قصد به ما قصده هؤلاء، قرين الكفر، كلام الراغب رحمه الله.
بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي مبدعهما وخالقهما على غير مثال سبق. وكل من فعل ما لم يسبق إليه يقال له: أبدعت. ولهذا قيل لمن خالف السنة والجماعة:
مبتدع، لأنه يأتي في دين الإسلام، ما لم يسبقه إليه الصحابة والتابعون رضي الله عنهم، وهذه الجملة حجة أخرى لدفع تشبثهم في ولادة عيسى بلا أب. وعلم عزير بالتوراة بلا تعلم. وتقرير الحجة: إن الله سبحانه مبدع الأشياء كلها. فلا يبعد أن يوجد أحدا بلا أب، أو يعلم بلا واسطة بشر. وقال الراغب: ذكر تعالى في هذه الآية حجة رابعة: شرحها: إن الأب هو عنصر للابن. منه تكوّن. والله مبدع الأشياء كلها، فلا يكون عنصرا للولد، فمن المحال أن يكون المنفعل فاعلا. وقوله تعالى: وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ أي إذا أراد أمرا. والقضاء إنفاذ المقدّر. والمقدر ما حدّ من مطلق المعلوم. قال الراغب: القضاء إتمام الشيء قولا أو فعلا، فمن القول آية وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء: ٢٣] ، وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ [الإسراء: ٤] ، ومن الفعل قوله فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ [فصلت: ١٢] وقضى فلان دينه، وقضى نحبه، وانقضى الأمر. (ثم قال) ونبه بقوله وَإِذا قَضى أَمْراً على حجة خامسة وهو أن الولد يكون بنشوء وتركيب. حالا بعد حال. وهو إذا أراد شيئا، فقد فعل بلا مهلة. ولم يرد ب إِذا حقيقة الزمان، إذ كان ذلك إشارة إلى ما قبل وجود الزمان. ولم يرد أيضا ب كُنْ حقيقة اللفظ، ولا بالفاء التعقيب الزمانيّ. بل استعير كل ذلك لأنه أقرب ما يتراءى لنا به سرعة الفعل وتمامه.
وذكر لفظ القضاء إذ هو لإتمام الفعل، والأمر لكونه منطويا على اللفظ والفعل،