قال الناصر في (الانتصاف) : إنا نعتقد أن سؤال جهنم وجوابها حقيقة، وأن الله تعالى يخلق فيها الإدراك بذلك بشرطه. وكيف نفرض، وقد وردت الأخبار وتظاهرت على ذلك؟ منها هذا، ومنها لجاج الجنة والنار، ومنها اشتكاؤها إلى ربها، فأذن لها في نفسين. وهذه وإن لم تكن نصوصا، فظواهر يجب حملها على حقائقها، لأنا متعبدون باعتقاد الظاهر، ما لم يمنع مانع، ولا مانع هاهنا، فإن القدرة صالحة، والعقل يجوّز، والظواهر قاضية بوقوع ما جوّزه العقل. وقد وقع مثل هذا قطعا في الدنيا، كتسليم الشجر، وتسبيح الحصى في كف النبيّ صلى الله عليه وسلم وفي يد أصحابه. ولو فتح باب المجاز والعدول عن الظاهر في تفاصيل المقالة، لا تسع الخرق، وضل كثير من الخلق عن الحق. وليس هذا كالظواهر الواردة في الإلهيات مما لم يجوز العقل اعتقاد ظاهرها، فإن العدول فيها عن ظاهر الكلام بضرورة الانقياد إلى أدلة العقل المرشدة إلى المعتقد الحق. انتهى.
قال الشهاب: وهو كلام حسن، وأمور الآخرة لا ينبغي أن تقاس على أمور الدنيا. انتهى.
ولا تنس ما قلناه مرارا من أن اللغة لا تنحصر في الحقيقة، وأن أكثر اللغة مجاز لا حقيقة، كما أوضحه السيوطي في (المزهر) والجرجاني في (أسرار البلاغة) . وفي شواهد العرب الكثيرة ما يؤيد المجاز، ولا محذور فيه، عدا عن كونه أبلغ، كما قرروه. وبالجملة فالنظم الكريم يحتملها- والله أعلم-.
و (يوم) منصوب ب (ظلّام) أو بمضمر، نحو: اذكر وأنذر. و (المزيد) إما مصدر كالمحيد، أو اسم مفعول كالمبيع.
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ أي قربت وأدنيت لِلْمُتَّقِينَ أي للذين اتقوا ربهم فخافوا عقوبته، بأداء فرائضه. واجتناب معاصيه غَيْرَ بَعِيدٍ أي مكانا غير بعيد. فهو صفة للظرف قام مقامه، أو حال من الجنة. وتذكيره لأنه صفة مذكر. أي: شيئا غير بعيد.
أو تأويل الجنة بالبستان. أو لكونها على زنة المصدر الذي من شأنه أن يستوي فيه المذكر والمؤنث، فعومل معاملته، وأجري مجراه. وعلى كل فهو للتأكيد، ودفع التجوز، فلا يقال بعد ذكر كونها قربت، لا يحتاج إلى كونها غير بعيدة.