هاتُوا بُرْهانَكُمْ
حجتكم على اختصاصكم بدخول الجنة إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في دعواكم. قال الرازيّ: دلت الآية على أن المدعي سواء ادعى نفيا أو إثباتا، فلا بد له من الدليل والبرهان. وذلك من أصدق الدلائل على بطلان القول بالتقليد، قال الشاعر:
من ادّعى شيئا بلا شاهد ... لا بد أن تبطل دعواه
انتهى كلام الرازيّ. وسبقه إلى ذلك الزمخشريّ حيث قال: وهذا أهدم شيء لمذهب المقلدين، وإن كل قول لا دليل عليه، فهو باطل غير ثابت. انتهى.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ١١٢]]
بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢)
بَلى إثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنّة مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ من أخلص نفسه له لا يشرك به غيره. وإنما عبر عن النفس بالوجه، لأنه أشرف الأعضاء، ومجمع المشاعر، وموضع السجود، ومظهر آثار الخضوع. أو المعنى: من أخلص توجهه وقصده، بحيث لا يلوي عزيمته إلى شيء غيره وَهُوَ مُحْسِنٌ في عمله، موافق لهديه صلّى الله عليه وسلّم، وإلا لم يقبل، ولذا
قال صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ» «١» رواه مسلم
فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وهو عبارة عن دخول الجنة، وتصويره بصورة الأجر للإيذان بقوة ارتباطه بالعمل. وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من لحوق مكروه وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ من فوات مطلوب. والجمع في الضمائر الثلاثة باعتبار معنى من كما أن الإفراد في الضمائر الأول باعتبار اللفظ.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ١١٣]]
وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١١٣)
وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ
(١) أخرجه مسلم في: الأقضية، حديث ١٨، عن عائشة قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال....