أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا، أي: ممن تقدمكم من الأمم مِنْ دِيارِهِمْ، أي:
التي ألفوها لما وقع فيها مما لا طاقة لهم به من الموت. ولفظة أَلَمْ تَرَ قد تذكر لمن تقدم علمه فتكون للتعجيب والتقرير والتذكير- كالأحبار وأهل التاريخ- وقد تذكر لمن لا يكون كذلك. فتكون لتعريفه وتعجيبه.
قال الراغب:(رأيت) يتعدى بنفسه دون الجار. لكن لما استعير (ألم تر) لمعنى (ألم تنظر) عدى تعديته ب (إلى) ، وفائدة استعارته: أن النظر قد يتعدى عن الرؤية، فإذا أريد الحث على نظر ناتج لا محالة للرؤية استعيرت له، وقلما استعمل ذلك في غير التقرير فلا يقال: رأيت إلى كذا.
وَهُمْ أُلُوفٌ، أي: في العدد جمع ألف، أو وهم مؤتلفون ومجتمعون جمع آلف، بالمدّ- كشاهد وشهود- أي: إن خروجهم لم يكن عن افتراق كان منهم ولا تباغض ولكن حَذَرَ الْمَوْتِ مفعول له- أي: فرارا منه وقوله: فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا، معناه: فأماتهم، وإنما جيء به على هذه العبارة للدلالة على أنهم ماتوا ميتة رجل واحد بأمر الله ومشيئته، وتلك مشيئة خارجة عن العادة كأنهم أمروا بشيء فامتثلوه امتثالا من غير إباء ولا توقف. كقوله تعالى: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: ٨٢] .
ثُمَّ أَحْياهُمْ عطف. إما على مقدر يستدعيه المقام أي: فماتوا ثم أحياهم- وإنما حذف للدلالة على الاستغناء عن ذكره لاستحالة تخلف مراده تعالى عن إرادته.
وإما على (قال) لما أنه عبارة عن الإماتة إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ قاطبة. أما أولئك فقد أحياهم ليعتبروا بما جرى عليهم فيفوزوا بالسعادة، وأما الذين سمعوا قصتهم فقد هداهم إلى مسلك الاعتبار والاستبصار، فقد تفضّل على الجميع ليشكروه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ، أي: فضله كما ينبغي.