بأنه كان طامعا في النجاة بيقين، لعموم المشاركة. هذا. وإن مذهب هذا العارف الخاص به هو البناء على اتساع الرحمة الإلهية، والأخذ بالظواهر من الآيات، ومع ذلك فلما ذكر البحث في شأن إيمان فرعون ونجاته، مع من قال بخلافهما، قال: إن الوقف في شأن إيمان فرعون هو الأسلم، لما شاع عند الخلق عامة من شقائه، وهذا منه صريح في أنه كان باحثا في إيمانه ونجاته من ظاهر اللفظ القرآني بحثا لا جازما بهما- انتهى ملخصا-.
ثم أنبأ تعالى عما أنعم به على بني إسرائيل إثر نعمة إنجائهم من عدوّهم وإهلاكه، وإخلالهم بشكرها وأداء حقوقها بقوله:
وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ أضيف المكان إلى الصدق، لأن عادة العرب إذا مدحت شيئا، أن تضيفه إلى الصدق تقول: رجل صدق. وقدم صدق.
وقال تعالى: مُدْخَلَ صِدْقٍ [الإسراء: ٨٠] ، ومُخْرَجَ صِدْقٍ [الإسراء: ٨٠] ، إذا كان عاملا في صفة صالحا للغرض المطلوب منه، كأنهم لاحظوا أن كل ما يظن به فهو صادق.
وقوله تعالى: وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وهي المنّ والسلوى في التيه وبعده، مما فاض عليهم من الأرض التي تدرّ لبنا وعسلا فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ أي ما تفرقوا على مذاهب شتى في أمر دينهم، إلا من بعد ما جاءهم العلم الحاسم لكل شبهة، وهو ما بين أيديهم من الوحي، الذي يتلونه. أي: وما كان حقهم أن يختلفوا، وقد بيّن الله لهم، وأزاح عنهم اللبس. ونظير هذه الآية، في النعي عليهم اختلافهم، قوله تعالى: وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ [البينة: ٤] ، وقوله جلّ ذكره: وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ [آل عمران: ١٩] ، وفيه أكبر زاجر وأعظم واعظ عن الاختلاف في الدين، والتفرق فيه.
إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ أي فيميز المحق من المبطل بالإنجاء والإهلاك.