ابن عبيد فقد سقطت حجتك، قالوا: فانقطع عمرو بن العلاء.
وعندي أنه كان لأبي عمرو بن العلاء أن يجيب عن هذا السؤال فيقول: إنك قست الوعيد على الوعد، وأنا إنما ذكرت هذا لبيان الفرق بين البابين، وذلك لأن الوعد حق عليه، والوعيد حق له، ومن أسقط حق نفسه فقد أتى بالجود والكرم، ومن أسقط حق غيره فذلك هو اللؤم، فظهر الفرق بين الوعد والوعيد، وبطل قياسك.
وإنما ذكرت هذا الشعر لإيضاح هذا الفرق. فأما قولك: لو لم يفعل لصار كاذبا ومكذبا نفسه، فجوابه أن هذا إنما يلزم لو كان الوعيد ثابتا جزما من غير شرط، وعندي جميع الوعيدات مشروطة بعدم العفو، فلا يلزم من تركه دخول الكذب في كلام الله تعالى. فهذا ما يتعلق بهذه الحكاية. والله أعلم.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ١٠]]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ التي يبذلونها في جلب المنافع ودفع المضار وَلا أَوْلادُهُمْ الذي بهم يتناصرون في الأمور المهمة مِنَ اللَّهِ أي من عذابه تعالى شَيْئاً من الإغناء، أي لن تدفع عنهم شيئا من عذابه. يقال: ما أغنى فلان شيئا، أي لم ينفع في مهم، ولم يكف مؤنة. ورجل مغن أي مجزئ كاف- قاله الأزهريّ. ونظير هذه الآية قوله تعالى: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء: ٨٨- ٨٩] ، وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ بفتح الواو أي حطبها، وقرئ بالضم بمعنى أهل وقودها، وأكثر اللغويين على أن الضم للمصدر أي التوقد، والفتح للحطب. وقال الزجّاج: المصدر مضموم، ويجوز فيه الفتح. وهذا كقوله تعالى: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ [الأنبياء: ٩٨] .
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ١١]]