أي قلبوها للزراعة واستخراج المعادن وغيرهما، مما كانوا أرقى فيه من أهل مكة وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها أي بالأبنية المشيدة.
والصناعات الفريدة، ووفرة العدد والعدد، وتنظيم الجيوش والتزيّن بزخارف أعجبوا بها، واستطالوا بأبهتها. ففسدت ملكاتهم، وطغت شهواتهم، حتى اقتضت حكمته تعالى إنذارهم بأنبيائهم، كما قال: وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ أي الآيات الواضحات على حقيقة ما يدعونهم إليه فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ أي فكذبوهم فأهلكهم. فما كان الله ليهلكهم من غير جرم منهم وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا أي عملوا السيئات السُّواى أي العقوبة التي هي أسوأ العقوبات في الآخرة، وهي جهنم. والسُّواى تأنيث (الأسوأ) ، وهو الأقبح. كما أن (الحسنى) تأنيث (الأحسن) ثم علل سوء عاقبتهم بقوله تعالى أَنْ أي لأن كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ أي ينشئهم ثُمَّ يُعِيدُهُ أي بعد الموت بالبعث ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أي إلى موقف الحساب والجزاء وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ أي يسكتون متحيرين يائسين. يقال (أبلس) إذا سكت وانقطعت حجته.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الروم (٣٠) : الآيات ١٣ الى ١٨]
وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ أي يجيرونهم من عذاب الله كما كانوا يزعمون وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ أي بإلهيتهم وشركتهم لله تعالى، حيث وقفوا على كنه أمرهم وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ أي يتميز المؤمنون والكافرون في المحالّ والأحوال فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ أي يسرّون وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ أي لا يغيبون عنه ولا يخفف عنهم فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ لما ذكر الوعد والوعيد، تأثره بما هو