للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنفال (٨) : آية ٣٣]]

وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣)

وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ بيان للموجب لإمهالهم، وعدم إجابة دعائهم. واللام لتأكيد النفي، والدلالة على أن تعذيبهم، والنبيّ بين أظهرهم، غير مستقيم في الحكمة، لأن سنته تعالى، وقضية حكمته، ألا يعذب أمة ونبيها بين ظهرانيها، لأنه لو نزل العذاب في مكانهم لأصاب كل من كان فيه. وفيه إشعار بأنهم مرصدون بالعذاب إذا هاجر عنهم.

وقوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ذكروا فيه ثلاثة أوجه:

الأول- أن المراد استغفار من بقي بين أظهرهم من المسلمين المستضعفين.

قال الطيبي: وهذا الوجه أبلغ، لدلالته على أن استغفار الغير مما يدفع به العذاب عن أمثال هؤلاء الكفرة.

والثاني- أن المراد به دعاء الكفرة بالمغفرة، وقولهم: (غفرانك) في طوافهم بالبيت، كما رواه ابن أبي حاتم. فيكون مجرد طلب المغفرة منه تعالى مانعا من عذابه، ولو من الكفرة.

والثالث- أن المراد بالاستغفار التوبة، والرجوع عن جميع ما هم عليه من الكفر وغيره، فيكون القيد منفيّا في هذا، ثابتا في الوجهين الأولين.

قال القاشاني: العذاب سورة الغضب وأثره، فلا يكون إلا من غضب النبيّ، أو من غضب الله المسبب من ذنوب الأمة، والنبيّ عليه الصلاة والسلام كان صورة الرحمة، لقوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: ١٠٧] . ولهذا لما كسروا رباعيته قال: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) ولم يغضب كما غضب نوح عليه السلام وقال رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [نوح: ٢٦] .

فوجوده فيهم مانع من نزول العذاب، وكذا وجود الاستغفار، فإن السبب الأوّليّ للعذاب لما كان وجود الذنب، والاستغفار مانع من تراكم الذنب وثباته، بل يوجب زواله، فلا يتسبب لغضب الله، فما دام الاستغفار فيهم فهم لا يعذبون. انتهى.

روى الترمذي «١» عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنزل الله


(١) أخرجه الترمذي في: التفسير، ٨- سورة الأنفال، ٤- باب حدثنا سفيان بن وكيع.

<<  <  ج: ص:  >  >>