أي: أصابته الضرورة الداعية إلى تناول شيء مما ذكر غَيْرَ باغٍ أي: على مضطر مثله، تارك لمواساته وَلا عادٍ متجاوز قدر حاجته من تناوله فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لا يؤاخذه. وقد تقدم تفسير هذه الآية في سورة البقرة والمائدة بما فيه كفاية.
[تنبيهات:]
الأول- قال ابن كثير: الغرض من سياق هذه الآية الكريمة الردّ على المشركين الذين ابتدعوا ما ابتدعوه من تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك.
فأمر تعالى رسوله أن يخبرهم أنه لا يجد فيما أوحاه إليه أن ذلك محرم. وأن الذي حرمه هو الميتة وما ذكر معها. وما عدا ذلك فلم يحرم. وإنما هو عفو مسكوت عنه.
فكيف تزعمون أنه حرام؟ ومن أين حرمتموه ولم يحرمه تعالى؟ وعلى هذا، فلا ينفي تحريم أشياء أخر فيما بعد هذا. كما جاء النهي عن لحوم الحمر الأهلية ولحوم السباع وكل ذي مخلب من الطير- انتهى- وبالجملة فالآية تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يجد فيما أوحي إليه إلى تلك الغاية غيره. ولا ينافيه ورود التحريم بعد ذلك في شيء آخر، كالموقوذة والمنخنقة والمتردية والنطيحة وغيرها. وذلك لأن هذه السورة مكية. فما عدا ما ذكر تحريمه فيها مما حرم أيضا، طارئ. قيل: إذا حرم غير ما ذكر كان نسخا لما اقتضته هذه الآية من تحليله. وجوابه أن ذلك زيادة تحريم وليس بنسخ لما في الآية. فصحّ تحريم كل ذي ناب من السبع ومخلب من الطير. ومن الناس من يسمي هذا نسخا بالمعنى السلفيّ. وقد بيّناه مرارا.
قال بعض الزيدية: وقد تعلق ابن عباس بالآية في تحليل لحم الحمر الأهلية.
وعائشة في لحوم السباع. وعكرمة في إباحة كل شيء سوى ما في الآية. وعن الشعبيّ أنه كان يبيح لحم الفيل ويتلو هذه الآية.
ولا تعلق لجميعهم بالآية. لأنه تعالى بين ما يحرم في تلك الأحوال. انتهى.
وقال السيوطي في (الإكليل) : احتج بها كثير من السلف في إباحة ما عدا المذكور فيها. فمن ذلك الحمر الأهلية، أخرجه البخاري «١» عن عمرو بن دينار قال:
قلت لجابر بن يزيد: يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن حمر الأهلية. فقال: قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاريّ عندنا بالبصرة. ولكن أبى ذلك البحر (ابن
(١) أخرجه البخاري في: الذبائح والصيد. ٢٨- باب لحوم الحمر الإنسية، حديث ٢٢٠٧.