للمحاجّة، ويكرر عليهم التبكيت، فقال سبحانه: قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ أي استنصروا بها عليّ ثُمَّ كِيدُونِ أي اعملوا أنتم وهم في هلاكي من حيث لا أشعر به، حتى يمكنني دفعه.
فَلا تُنْظِرُونِ أي عجّلوا في كيدي، فلا تمهلوني مدة أطلع فيها على كيدكم، فإني لا أبالي بكم. وقد أثبت نافع وأبو عمرو الياء في كيدوني، والباقون حذفوها. ومثله في قوله: وَلا تُنْظِرُونِ [يونس: ٧١] ، ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ [هود: ٥٥] ، قال الواحديّ: والقول فيه أن الفواصل تشبه القوافي، وقد حذفوا هذه الياءات إذا كانت في القوافي، كقوله:
يلمس الأحلاس في منزله ... بيديه كاليهوديّ المصلّ
(وأصلها المصلّى) والذين أثبتوها، فلأن الأصل هو الإثبات.
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ تعليل لعدم المبالاة، المنفهم من السوق انفهاما جليّا. أي: الذي يتولى حفظي ونصرتي هو الله الذي أنزل الكتاب، المشتمل على هذه العلوم العظيمة النافعة.
قال أبو السعود: ووصفه تعالى بتنزيل الكتاب، للإشعار بدليل الولاية، والإشارة إلى علة أخرى لعدم المبالاة. كأنه قيل: لا أبالي بكم وبشركائكم، لأن وليي هو الله الذي نزل الكتاب الناطق بأنه وليي وناصري، وبأن شركاءكم لا يستطيعون نصر أنفسهم، فضلا عن نصركم. وقوله تعالى: وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ تذييل مقرر لما قبله. أي ومن عادته أن يتولى الصالحين من عباده، وينصرهم ولا يخذلهم. وفيه تعريض، لمن فقد الصلاح، بالخذلان والمحق.
قال الحسن البصريّ: إن المشركين كانوا يخوّفون الرسول صلّى الله عليه وسلّم بآلهتهم، فقال تعالى: ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ الآية- ليظهر لكم أنه لا قدرة له على إيصال المضارّ إليّ، بوجه من الوجوه. وهذا كما قال هود عليه السلام، لما قال قومه: إِنْ نَقُولُ إِلَّا