أي دينه وشرعه وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي من قريش هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يعنون النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ أي فرقتم كل تفريق، بحيث صرتم ترابا ورفاتا إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أي فيما قاله أَمْ بِهِ جِنَّةٌ أي جنون تخيل به ذلك. فرد تعالى عليهم ما نعى به سوء حالهم بقوله: بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ أي المتناهي أمره.
فإن من يدعى إلى الصلاح والرشاد، ونبذ الهوى والفساد، فيرمي الداعي بالفرية والجنون، لمغرق في الجهالة. ومبعد أيّ بعد في الضلالة. ثم أشار إلى تهويل تلك العظيمة التي تفوهوا بها، وإنها موجبة لنزول أشد العذاب، بقوله سبحانه:
أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ أي: أعموا فلم ينظروا إلى السماء. والأرض، وإنهما حيثما كانوا وأينما ساروا أمامهم وخلفهم، محيطتان بهم، لا يقدرون أن ينفذوا من أقطارهما وأن يخرجوا عما هم فيه من ملكوت الله عز وجل، ولم يخافوا أن يخسف الله بهم أو يسقط عليهم كسفا لتكذيبهم الآيات، وكفرهم بالرسول صلّى الله عليه وسلّم وبما جاء به، كما فعل بقارون وأصحاب الأيكة، أفاده الزمخشريّ. و (الكسف) بسكون السين، بمعنى القطع، إما جمع كسفة، أو فعل بمعنى مفعول، أو مخفف من المصدر. وقرأ حفص (كسفا) بالفتح إِنَّ فِي ذلِكَ أي النظر إلى السماء والأرض والفكر فيهما وما يدلان عليه من قدرة الله لَآيَةً أي دلالة واضحة لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ أي راجع إلى ربه مطيع له. فإن شأنه لا يخلو من الاعتبار في آياته تعالى، على أنه قادر على كل شيء من البعث ونشر الرميم كما قال تعالى: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى [يس: ٨١] . وقال تعالى: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [غافر: ٥٧] . ثم أخبر تعالى عما آتى داود وسليمان من الفضل والملك وسعة السلطان ووفرة الجند وكثرة العدد والعدد، ببركة إنابتهما وقيامهما بشكر الرب تعالى، عدة للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأتباعه المنيبين الشاكرين بنيل مثل ذلك، وتذكيرا بقدرته على كل شيء، فقال تعالى: