للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الزجاج: معنى الكلام كادوا يفتنونك. ودخلت (أن) المخففة من الثقيلة و (اللام) للتأكيد. والمعنى: أن الشأن قاربوا أن يفتنونك أي يخدعوك. ويصرفوك عن القرآن أي عن حكمه. وذلك لأن في إعطائهم ما سألوا مخالفة لحكم القرآن. وقوله:

لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ أي غير ما أوحينا إليك وهو قولهم: قل الله أمرني بذلك وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا أي لو فعلت ما أرادوا لاتخذوك خليلا، وأظهروا للناس أنك موافق لهم على كفرهم، وراض بشركهم. ثم قال: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ أي على الحق بعصمتنا إياك لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ أي تميل إليهم شَيْئاً قَلِيلًا وقوله شَيْئاً عبارة عن المصدر، أو ركونا قليلا.

وعن قتادة: لما نزلت هذه الآية. قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين)

. ثم توعده في ذلك أشد التوعد، فقال:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الإسراء (١٧) : آية ٧٥]]

إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (٧٥)

إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ أي ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات، يريد عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. و (الضعف) عبارة عن أن يضم إلى الشيء مثله، ودل على إضمار العذاب، وصف العذاب بالضعف في كثير من الآيات. كقوله تعالى: رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ [ص: ٦١] ، وقال: لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ [الأعراف: ٣٨] .

والسبب في تضعيف العذاب أن أقسام نعم الله على الأنبياء أكثر. فكانت ذنوبهم أعظم. فكانت العقوبة المستحقة عليها أكثر. ونظيره قوله تعالى: يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ [الأحزاب: ٣٠] .

[تنبيهات:]

الأول: قال القفال رحمه الله (بعد ذكره ما روي في سبب نزولها مما قدمناه) :

ويمكن أيضا تأويلها من غير تقييد بسبب يضاعف نزولها فيه، لأن من المعلوم أن المشركين كانوا يسعون في إبطال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأقصى ما يقدرون عليه. فتارة كانوا يقولون: إن عبدت آلهتنا عبدنا إلهك فأنزل الله تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ [الكافرون: ١- ٢] ، وقوله: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم: ٩] ، وعرضوا عليه الأموال الكثيرة والنساء الجميلة ليترك ادعاء النبوة. فأنزل

<<  <  ج: ص:  >  >>