للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعاصي. وفيه تنبيه على أن ما سبق ذكره من الإرسال ليس لنفعه سبحانه، بل لترحمه على العباد، وتمهيد لقوله إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ أي: من الخلق يعملون بطاعته كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ذهب بهم ثم بذريتهم، لكنه أبقاكم ترحما عليكم. وهذا كقوله تعالى وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ، وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ [محمد صلى الله عليه وسلم: ٣٨] .

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ١٣٤]]

إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (١٣٤)

إِنَّ ما تُوعَدُونَ أي: من البعث وأحواله لَآتٍ أي: لكائن لا محالة وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ أي: بفائتين يعجز عنكم. وهذا ردّ لقولهم: من مات فقد فات. أي:

هو قادر على إعادتكم، وإن صرتم رفاتا.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ١٣٥]]

قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (١٣٥)

قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ أي: على غاية تمكنكم واستطاعتكم.

يقال: مكن مكانة، إذا تمكن أبلغ التمكن. أو على جهتكم وحالتكم، من قولهم:

مكان ومكانة، كمقام ومقامة. والمعنى: اثبتوا على كفركم. إِنِّي عامِلٌ أي: ما أمرت به من الثبات على الإسلام. فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ أي: التي بنيت لعبادته تعالى وحده، دون غيرهم، هل تكون للعدل الذي يضع العبادة في موضعها، أو للظالم بوضعها في غير موضعها. والمراد بالدار، الدنيا. وبالعاقبة، العاقبة الحسنى. أي: عاقبة الخير، لأنها الأصل، فإنه تعالى جعل الدنيا مزرعة الآخرة، وقنطرة المجاز إليها.

إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ أي: الكافرون. ووضع الظلم موضع الكفر، إيذانا بأن امتناع الفلاح يترتب على أيّ فرد كان من أفراد الظلم، فما ظنك بالكفر الذي هو أعظم أفراده؟

[لطائف:]

في إيراد التهديد بصيغة الأمر، أعني: قوله اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ مبالغة في الوعيد، كأن المهدّد يريد تعذيبه، مجمعا عليه، فيحمله بالأمر على ما يؤدي إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>