القرآن شاهد ممن كان على بينة من ربه. يعني من آمن من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام، وشهادتهم على أنه حق لا مفترى، لما يجدونه مكتوبا عندهم، و (يتلو) من التلاوة، فتكون الآية كقوله تعالى: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ [الأحقاف:
١٠]- والله أعلم-.
الثالثة- (الأحزاب) جمع حزب. والحزب جماعة الناس. ويطلق (الأحزاب) على من تألبوا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا كل نبيّ قبله، وهو إطلاق شرعيّ، وعليه حمل الأكثر الآية، لكون السورة مكية. إلا أن اللفظ يتناوله، وكل من شاكلهم من سائر الطوائف.
وفي صحيح مسلم عن سعيد بن جبير عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهوديّ أو نصرانيّ، ثم لا يؤمن بي، إلا دخل النار
. قال سعيد: كنت لا أسمع بحديث من النبيّ صلى الله عليه وسلم على وجهه، إلا وجدت مصداقه في القرآن، فبلغني هذا الحديث، فجعلت أقول: أين مصداقه في كتاب الله؟ حتى وجدت هذه الآية وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ قال: الملل كلها.
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً كقوله للملائكة (بنات لله) ، وللأصنام شفعاء عند الله أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ أي يساقون إليه سوق العبيد المفترين على ملوكهم، وَيَقُولُ الْأَشْهادُ من الملائكة والنبيين والجوارح: هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ تهويل عظيم مما يحيق بهم حينئذ لظلمهم بالكذب على الله. قيل: ولا يبعد أن تكون الآية للدلالة على أن القرآن ليس بمفترى، فإن من يعلم حال من يفتري على الله كيف يرتكبه، كما مر في يونس في قوله تعالى: وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ [طه: ٦٩] .