قال الراغب: فإن قيل ما فائدة قوله وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ إلخ ومعلوم أنه بدون الكفر يضل الإنسان سواء السبيل فكيف بالكفر؟ وقيل معنى ذلك من يتبدل الكفر بالإيمان يعلم أنه قد ضل، قبل، سواء السبيل، وفي ذلك تنبيه أن ضلاله سواء السبيل قاده إلى الكفر بعد الإيمان، ومعناه لا تسألوا رسولكم كما سئل موسى فتضلوا سواء السبيل فيؤدي بكم إلى تبديل الكفر بالإيمان. فمبدأ ذلك، الضلال عن سواء السبيل، ووجه آخر وهو أنه سمى معاندة الأنبياء عليهم السلام، بعد حصول ما تسكن النفس إليه، كفرا. إذ هي مؤدية إليه. كتسمية العصير خمرا. فقال: وَمَنْ يَتَبَدَّلِ أي يطلب تبديل الكفر، أي المعاندة التي هي مبدأ الكفر، بالإيمان أي بما حصل له من الدلالة المقتضية لسكون النفس، فقد ضل سواء السبيل.
ووجه ثالث وهو أن ذلك نهاية التبكيت لمن ظهر له الحق فعدل عنه إلى الباطل. وأنه كمن كان على وضح الطريق فتاه فيه. ووجه رابع وهو أن سَواءَ السَّبِيلِ إشارة إلى الفطرة التي فطر الناس عليها. والإيمان إشارة إلى المكتسب من جهة الشرائع فقال وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ أي بالإيمان المكتسب فقد أبطله، وضيّع الفطرة التي فطر الناس عليها فلا يرجى له نزوع عما هو عليه بعد ذلك.
هذا. وما قررناه في الآية من أن الخطاب للمسلمين هو ما يترجح ويكون كقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ [المائدة: ١٠١] . ويرشحه قوله وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فإن موقع خطابه إنما يتضح مع المؤمنين. ورجّح الرازيّ كون الخطاب مع اليهود قال: لأن هذه السورة من أول قوله يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ حكاية عنهم ومحاجة معهم ولأنه لم يجر ذكر غيرهم في السياق، وقد قص تعالى عنهم سؤال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بقوله يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً الآية، وحينئذ فمعنى تبدل الكفر بالإيمان. وهم بمعزل من الإيمان، إعراضهم عنه، مع تمكنهم منه، وإيثارهم للكفر عليه. كما أن إضافة الرسول إليهم باعتبار أنهم من أمة الدعوة.