لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ تقدم في مواضع متعددة من التنزيل الكريم تفسير لا أُقْسِمُ والْبَلَدِ هو مكة. وقيد القسم بقوله تعالى: وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ عناية بالنبيّ صلوات الله عليه. فكأنه إقسام به لأجله، مع تعريض بعدم شرف أهل مكة، وأنهم جهلوا جهلا عظيما، لهمهم بإخراج من هو حقيق به، وبه يتم شرفه.
قال الشهاب: و (الحل) صفة أو مصدر بمعنى الحالّ على هذا الوجه. ولا عبرة بمن أنكره لعدم ثبوته في كتب اللغة. وقيل معناه وأنت يستحل فيه حرمتك، وتعرض لأذيتك. ففيه تعجيب من حالهم في عداوته، وتعريض بتجميعهم وتفريقهم بأنه لا يستحل فيه الحمام، فكيف يستحل فيه دم مرشد الأنام، عليه الصلاة والسلام؟؟.
وقيل: معناه وأنت حل به في المستقبل. تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر، إشارة إلى ما سيقع من فتح مكة وإحلالها له ساعة من نهار، يقتل ويأسر. مع أنها ما فتحت على أحد قبله، ولا أحلت له. ففيه تسلية له، ووعد بنصره، وإهلاك عدوه.
و (الحل) على هذين الوجهين ضد (الحرمة) وفيهما- كما قالوا- بعد. لا سيما إرادة الاستقبال في الوجه الأخير، فإنه غير متبادر منه. وإنما كان الأول أولى لتشريفه عليه السلام، بجعل حلوله به مناطا لإعظامه، مع التنبيه من أول الأمر على تحقق مضمون الجواب، بذكر بعض موادّ المكايدة، على نهج براعة الاستهلال، وإنه كابد المشاق، ولاقى من الشدائد، في سبيل الدعوة إلى الله، ما لم يكابده داع قبله، صلوات الله عليه وسلامه.
وَوالِدٍ وَما وَلَدَ عطف على (هذا البلد) داخل في المقسم به. قيل: عني