للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه السلام كتب يوم الحديبية: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله. فإنما حمله على ذلك رواية «١» في صحيح البخاري (ثم أخذ فكتب) وهذه محمولة على الرواية الأخرى (ثم أمر فكتب) ولهذا اشتد النكير من فقهاء المشرق والمغرب على من قال بقول الباجي، وتبرأوا منه وأنشدوا في ذلك أقوالا وخطبوا به في محافلهم. وإنما أراد الرجل أعني الباجي فيما يظهر عنه. أنه كتب ذلك على وجه المعجزة. لا أنه كان يحسن الكتابة. وما أورده بعضهم من الحديث أنه لم يمت صلى الله عليه وسلم حتى تعلم الكتابة، فضعيف لا أصل له. انتهى.

وقال الشهاب: وممن ذهب إلى أنه كان يحسن الكتابة، أبو ذرّ الهروي وأبو الفتح النيسابوري وأبو الوليد الباجي من المغاربة. وصنف فيه كتابا، وسبقه إليه ابن منبه. ولما قال أبو الوليد ذلك، طعن فيه ورمي بالزندقة وسب على المنابر، ثم عقد له مجلس فأقام الحجة على مدعاه وكتب به إلى علماء الأطراف. فأجابوا بما يوافقه.

وأن معرفة الكتابة بعد أميّته لا تنافي المعجزة. بل هي معجزة أخرى، لكونها من غير تعليم.

ورد الإمام محمد بن مفوز كتاب الباجي لما في الحديث الصحيح «٢»

(إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)

وقال: كل ما ورد في الحديث من قوله (كتب) فمعناه أمر بالكتابة. انتهى.

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٤٩ الى ٥٠]

بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ (٤٩) وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠)

بَلْ هُوَ أي القرآن آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أي العلماء به وحفاظه. وهما من خصائص القرآن كون آياته بينات الإعجاز، وكونه محفوظا في الصدور، يتلوه أكثر الأمة ظاهرا. بخلاف سائر الكتب. فإنها لم تكن معجزات، وما كانت تقرأ إلا من المصاحف. ومنه ما جاء في صفة هذه الأمة (صدورهم


(١) أخرجه في: الشروط، ١٥- باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابة الشروط، حديث ٨٨١ و ٨٨٢ عن المسوّر بن مخرمة ومروان.
(٢)
أخرجه البخاري في: الصوم، ١٣- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا نكتب ولا نحسب» ، حديث ٩٦٨، عن ابن عمر
.

<<  <  ج: ص:  >  >>