للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأنبياء. ثم بما يكون منهم من المعاصي التي تخصهم. ثم بما يكون منهم من المعاصي المتعدية إلى الغير، مثل الاعتداء. وهذا من لطائف أسلوب التنزيل.

ثم أعلم تعالى بأن باب التوبة مفتوح على الوجه العامّ لليهود وغيرهم. وأن من ارتكب كبائر الذنوب التي تستوجب الغضب الإلهيّ، وضرب الذلة والمسكنة، كما حل باليهود، إذا آمن وتاب فله في الدنيا والآخرة ما للمؤمنين. وعادة التنزيل جارية بأنه متى ذكر وعد أو وعيد، عقب بضده ليكون الكلام تاما فقيل:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ٦٢]]

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)

أي إن الذين آمنوا بما دعا إليه محمد صلّى الله عليه وسلّم، وصاروا من جملة أتباعه. قال في فتح البيان:

كأنه سبحانه أراد أن يبين أن حال هذه الملة الإسلامية، وحال من قبلها من سائر الملل، يرجع إلى شيء واحد، وهو أن من آمن منهم بالله واليوم الآخر وعمل صالحا استحق ما ذكره الله من الأجر. ومن فاته ذلك فاته الخير كله، والأجر دقه وجله. والمراد بالإيمان هاهنا هو ما بينه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من

قوله، لما سأله جبريل عليه السّلام عن الإيمان فقال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره» «١» .

ولا يتصف بهذا الإيمان إلا من دخل في الملة الإسلامية. فمن لم يؤمن بمحمد صلّى الله عليه وسلّم ولا بالقرآن، فليس بمؤمن. ومن آمن بهما صار مسلما مؤمنا، ولم يبق يهوديّا ولا نصرانيّا ولا مجوسيّا. انتهى.

قال الراغب في تفسيره: تقدم أن الإيمان يستعمل على وجهين: أحدهما الإقرار بالشهادتين، الذي يؤمن نفس الإنسان، وماله عن الإباحة إلا بحق، وذلك بعد استقرار هذا الدين مختص به كالإسلام. والثاني تحري اليقين فيما يتعاطاه الإنسان من أمر دينه. فقوله إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا عنى به المتدين بدين محمد صلّى الله عليه وسلّم، وقوله:

مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ عنى به المتحري للاعتقاد اليقينيّ، فهو غير الأول. ولما كانت


(١) أخرجه ابن ماجة في المقدمة، ٩- باب في الإيمان، حديث رقم ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>