قبل زماننا وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أي فنشأنا على طريقتهم، احتجاجا بالتقليد، وتعويلا عليه، فقد قطعنا العذر بما بيّنا من الآيات أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ أي أتؤاخذنا بما فعل آباؤنا من الشرك، وأسسوا من الباطل، أو بفعل آبائنا الذين أبطلوا تأثير العقول، وأقوال الرسل؟ والاستفهام للإنكار، أي أنت حكيم لا تأخذ الأبناء بفعل الآباء، وقد سلكنا طريقهم والحجة عليهم بما شرعوا لنا من الباطل. والمعنى:
أزلنا الشبهتين بأن الإقرار بالربوبية والتوحيد، هو في أصل فطرتكم، فلم لم ترجعوا إليه عند دعوة العقول والرسل؟ والفطرة أكبر دليل، فهي تسد باب الاعتذار بوجه ما.
لا سيما والتقليد عند قيام الدلائل، والقدرة على الاستدلال بها، مما لا مساغ له أصلا.
[تنبيهات]
الأول- وافق الإمام ابن كثير، في هذا المقام أيضا الجشمي في تفسيره، قال:
ويروي أصحاب الحديث عن أسلافهم من الآثار موقوفة ومرفوعة، ويجعلون ذلك تأويلا للآية، وهو أنه تعالى مسح ظهر آدم، فأخرج منه ذريته، أمثال الذر، فقال:
ألست بربكم؟ فقالوا: بلى طائعين. ثم أعادهم في صلب آدم. وإن تأويل الآية على ذلك.
قال: وقد ذكر مشايخنا رحمهم الله أن ذلك فاسد، وأن ظاهر الآية يخالف ذلك، وذكروا في الرواية ما نذكره. قالوا: فمما يدل على فساده وجوه:
منها: أنه لو كان حال كما ذكروا، لذكرناه، لأن مثل ذلك الأمر العظيم لا ينساه العاقل، خصوصا إذا كان إشهادا عليه، ليعمل به.
ومنها: ما ذكره شيخنا أبو عليّ، أن ظهر آدم لا يسع هذا الجمع العظيم، وهذا شنيع من الكلام.
ومنها: أنه ذكر أنه خلقنا من نطفة، وكل ولد ولد من أب ومن نطفة، فلو خلقهم ابتداء لا من شيء، لم يصح ذلك.
ومنها: أن الجزء الواحد، لا يجوز أن يكون حيّا عاقلا، لأن تلك البنية، لا تحمل الحياة، فلا بد من أن يكون مؤلفا من أجزاء، وحينئذ لا يصح أن يكون الجميع في ظهر آدم.
ومنها: أنه يفتح باب التناسخ، والقول بالرجعة، لأن لهم أن يقولوا: إذا جاز الإعادة ثمة، لم ينكر التناسخ.