للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي بالإعراض عن الأعمال التي تورث منازلها، أو تنسون الآخرة ووعيدها، وهول حسابها وجزائها. وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ أي حسنة جميلة من النعيم إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ أي مشاهدة إياه، ترى جمال ذاته العلية، ونور وجهه الكريم، كما وردت بذلك الأخبار والآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ أي كالحة، لجهامة هيئاتها، وهول ما تراه هناك من الأهوال، وأنواع العذاب والخسران. تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ أي داهية تفصم فقار الظهر، لشدتها وسوء حالها ووبالها. وشتان ما بين المرتبتين! ويظهر أن في عود الضمير من بِها إلى الوجوه- مرادا بها الذوات- شبه استخدام. ولم أر من نبه عليه.

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة القيامة (٧٥) : الآيات ٢٦ الى ٣٠]

كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ راقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (٣٠)

كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ أي بلغت النفس أعالي الصدر. وإضمارها، وإن لم يجر لها ذكر، لدلالة السياق عليها، كقول حاتم:

أماويّ ما يغني الثّراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصّدر

قال الرازي: يكنى ببلوغ النفس التراقي، عن القرب من الموت، ومنه قول دريد ابن الصمة:

ورب عظيمة دافعت عنها ... وقد بلغت نفوسهم التّراقي

ونظيره قوله تعالى: فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ [الواقعة: ٨٣] . وَقِيلَ مَنْ راقٍ

قال ابن جرير: أي وقال أهله: من ذا يرقيه ليشفيه مما قد نزل به، وطلبوا له الأطباء والمداوين، فلم يغنوا عنه من أمر الله الذي قد نزل به شيئا. أي فالاستفهام بمعنى الطلب لراق أو طبيب. وجوز كونه بمعنى الإنكار، يأسا من أن يقدر أحد على نفعه برقية أو عوذة.

[لطيفة:]

قال الواحدي: إن إظهار النون عند حروف الفم لحن. فلا يجوز إظهار نون مَنْ

في قوله: مَنْ راقٍ

. وروى حفص عن عاصم إظهار النون في قوله: مَنْ راقٍ

وبَلْ رانَ قال أبو علي الفارسي: ولا أعرف وجه ذلك. قال الواحدي:

<<  <  ج: ص:  >  >>