للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعظيما لله تعالى كان أكمل في العبودية. ومن كمال التعظيم أن يكون ذكر الله تعالى أجلّ وأعلى عنده من أن يستشهد به في غرض من الأغراض الدنيوية. وأمّا قوله تعالى بعد ذلك أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا، فهو علّة للنهي. أي: إرادة أن تبروا وتتقوا وتصلحوا. لأنّ الحلّاف مجترئ على الله، غير معظم له، فلا يكون برا متقيا، ولا يثق به الناس فلا يدخلونه في وساطتهم وإصلاح ذات بينهم، والله أعلم.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ٢٢٥]]

لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٢٥)

لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ، أي: لا يعاقبكم ولا يلزمكم بما صدر منكم من الأيمان اللاغية- إذ لم تقصدوا هتك حرمته- وهي التي لا يقصدها الحالف، بل تجري على لسانه عادة من غير تعقيد ولا قصد إليها. كما ينبئ عن ذلك قوله تعالى: وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ، وهو المعنيّ بقوله عزّ وجلّ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ، أي: تعمدته قلوبكم فاجتمع فيه، مع اللفظ، النيّة. يعني: ربط القلب به لفوات تعظيم أمره، ولهتك حرمته بنقض اليمين المقصودة.

روي عن عائشة أنها قالت: أنزلت هذه الآية في قول الرجل: لا والله، وبلى والله! أخرجه البخاريّ ومالك وأبو داود «١» ، وهذا لفظ البخاريّ.

وقد نقل ابن المنذر نحو هذا عن ابن عمر، وابن عباس، وغيرهما من الصحابة والتابعين. ولفظ رواية ابن أبي حاتم عن عائشة قالت: إنما اللغو في المزاحة والهزل وهو قول الرجل: لا والله! وبلى والله! فذاك لا كفّارة فيه، إنما الكفارة فيما عقد عليه قلبه أن يفعله ثم لا يفعله.

ويروى في تفسير لغو اليمين: هو أن يحلف على الشيء يظنّه، ثم يظهر


(١) أخرجه البخاريّ في: الأيمان والنذور، ١٤- باب لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ، حديث ١٩٩٦.
وأخرجه مالك في الموطأ في: النذور والأيمان، حديث ٩ (طبعتنا) .
وأبو داود في: الأيمان والنذور، ٦- باب لغو اليمين، حديث ٣٢٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>