للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الزمخشريّ: ربّع عليه السلام بتخويفه سوء العاقبة، وبما يجره ما هو فيه من التبعة والوبال. ولم يخل ذلك من حسن الأدب، حيث لم يصرّح بأن العقاب لا حق له، وأن العذاب لاصق به، ولكنه قال أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ فذكر الخوف والمس ونكّر العذاب. وجعل ولاية الشيطان ودخوله في جملة أشياعه وأوليائه، أكبر من العذاب. وصدّر كل نصيحة من النصائح الأربع بقوله يا أَبَتِ توسلا إليه واستعطافا. وقوله تعالى:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة مريم (١٩) : آية ٤٦]]

قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦)

قالَ أي أبوه، مصرّا على عناده لفرط غلوّه في الضلال أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ أي: أمعرض ومنصرف أنت عنها. وإنما قدم الخبر على المبتدأ، لأنه كان أهم عنده. وصدّره بالهمزة لإنكار نفس الرغبة، على ضرب من التعجب.

كان الرغبة عنها مما لا يصدر عن العاقل، فضلا عن ترغيب الغير عنها. وفيه تسلية للرسول صلوات الله عليه، عما كان يلقى من مثل ذلك من كفار قومه.

وقوله لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ تهديد متناه. أي لئن لم تنته عن القول فيها، وعن نصحك، لأرجمنك بالحجارة وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا أي تباعد عني زمانا طويلا.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة مريم (١٩) : آية ٤٧]]

قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (٤٧)

قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا أي مبالغا في اللطف بي.

وفي جوابه بقوله عليه السلام سَلامٌ عَلَيْكَ مقابلة السيئة بالحسنة. كما قوله تعالى:

وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً [الفرقان: ٦٣] ، أي لا أصيبك بمكروه بعد.

ولكن سأدعو ربي أن يغفر لك. كما قال: وَاغْفِرْ لِأَبِي [الشعراء: ٨٦] ، قال الزمخشريّ: وفي الآية دليل على جواز متاركة المنصوح، والحال هذه. ويجوز أن يكون دعا له بالسلامة، استمالة له. ألا ترى أنه وعده بالاستغفار؟

وفي (الإكليل) : استدل بعضهم بالآية على جواز ابتداء الكافر بالسلام.

وقال ابن كثير: قد استغفر إبراهيم صلى الله عليه وسلم لأبيه مدة طويلة، وبعد أن هاجر إلى الشام وبنى المسجد الحرام. وبعد أن ولد له إسماعيل وإسحاق في قوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>