للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسبب في هذا التوعد- كما قال الرازيّ- أن أهل الحقّ في كل زمان يكونون قليلين، وأهل الباطل يكونون كثيرين. والظلمة والفسقة يكونون متعاونين متعاضدين. فلهذه الأسباب قدروا على هذه السفاهة. فإن قيل: يتوهم من لفظ (العود) أنهم كانوا في ملة الكفر قبل. أجيب: بأن (عاد) بمعنى صار. وهو كثير الاستعمال بهذا المعنى، أو الكلام على ظنهم وزعمهم أنهم كانوا من أهل ملتهم قبل إظهار الدعوة. أو الخطاب للرسل ولقومهم، فغلبوا عليهم في نسبة العود إليهم.

وقوله تعالى: فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ ... إلخ وعد صادق للرسل، وبشارة حقة. كما قال تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ [الصافات: ١٧١- ١٧٣] ، وقال تعالى:

وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا [الأعراف:

١٣٧] ، والآيات في ذلك كثيرة. والإشارة في (ذلك) إلى الموحى به وهو إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين. وقوله لِمَنْ خافَ ... إلخ، أي: للمتقين لأنهم الموصوفون بما ذكر كقوله: وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف: ١٢٨] . و (المقام) إما موقف الحساب، فهو اسم مكان، وإضافته إليه سبحانه لكونه بين يديه، أو مصدر ميميّ، بمعنى: حفظي وقيامي لأعمالهم ليجازوا عليها. أو مقحم للتفخيم والتعظيم كما يقال: المقام العالي. وياء المتكلم في (وعيد) محذوفة للاكتفاء بالكسرة عنها في غير الوقف.

قال السمين: أثبت الياء- هنا وفي (ق) في (ق) في موضعين: كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ [ق: ١٤] ، فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ [ق: ٤٥] ، وصلا، وحذفها وقفا- ورش عن نافع. وحذفها الباقون وصلا ووقفا.

وقوله تعالى:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة إبراهيم (١٤) : آية ١٥]]

وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥)

وَاسْتَفْتَحُوا أي: سألوا من الله الفتح على أعدائهم، أو القضاء بينهم وبين أعدائهم. من (الفتاحة) وهي الحكومة كقوله: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ [الأعراف: ٨٩] ، فالضمير: للرسل، وقيل: للكفرة، وقيل: للفريقين فإنهم سألوا أن ينصر المحقّ ويهلك المبطل. وقوله: وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ أي: فنصروا عند

<<  <  ج: ص:  >  >>