وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى أي أيّ شيء عجّل بك عنهم، على سبيل الإنكار، وكان قد مضى مع النقباء الذين اختارهم من قومه إلى الطور، على الموعد المضروب، ثم تقدمهم شوقا إلى كلام ربه ورضاه.
قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي أي قادمون ينزلون بالطور، وإنما سبقتهم بما ظننت أنه خير. ولذا قال: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى أي عني، بمسارعتي إلى الامتثال بأمرك. واعتنائي بالوفاء بعهدك. وزيادة (ربّ) لمزيد الضراعة والابتهال، رغبة في قبول العذر. أفاده أبو السعود.
فإن قيل: كان مقتضى جواب السؤال من موسى أن يقول (طلب زيادة رضاك أو الشوق إلى كلامك) فالجواب. أن هذا من الغفلة عن سرّ الإنكار. وذلك لأن الإنكار بالذات إنما هو للبعد والانفصال عنهم. فهو منصبّ على القيد. كما عرف في أمثاله. فالسؤال في المعنى عن الانفصال الذي يتضمنه (أعجلك) المتعدي ب (من) . وإنكار العجلة لأنها وسيلة له. فالجواب هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي. وقوله وَعَجِلْتُ إلخ تتميم. وقيل الجواب إنما هو قوله: وَعَجِلْتُ إلخ، وما قبله تمهيد له.
وقال الناصر: إنما أراد الله تعالى بسؤاله عن سبب العجلة، وهو أعلم، أن يعلم موسى أدب السفر. وهو أنه ينبغي تأخّر رئيس القوم عنهم في المسير، ليكون نظره محيطا بطائفته، ونافذا فيهم، ومهيمنا عليهم. وهذا المعنى لا يحصل في تقدمه عليهم، ألا ترى الله عزّ وجلّ كيف علم هذا الأدب، لوطا، فقال: وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ [الحجر: ٦٥] ، فأمره أن يكون أخيرهم. على أن موسى عليه السلام إنما أغفل هذا الأمر مبادرة إلى رضاء الله عزّ وجلّ، ومسارعة إلى الميعاد. وذلك شأن الموعود بما يسره، يود لو ركب إليه أجنحة الطير. ولا أسرّ من مواعدة الله تعالى له صلى الله عليه وسلم. انتهى.