السلام، وغير ذلك. وحيث كان شأنهم كذلك، وهم مؤيدون بالقوى القدسية، فما ظنك بمن عداهم من العوام؟ فلو شاهدوه كذلك لقضي أمر هلاكهم بالكلية، واستحال جعله نذيرا، وهو- مع كونه خلاف مطلوبهم- مستلزم لإخلاء العالم عما عليه يدور نظام الدنيا والآخرة، من إرسال الرسل، وتأسيس الشرائع، وقد قال سبحانه:
وفي (العناية) أن الوجه الثالث لا يناسب قوله: ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ، لأنه يدل على إهلاكهم، لا على هلاكهم، برؤية الملك، إلا بتكلف.
هذا، وقال الناصر في (الانتصاف) : على الوجه الأول لا يحسن أن يجعل سبب مناجزتهم بالهلاك وضوح الآية في نزول الملك. فإنه ربما يفهم هذا الكلام أن الآيات التي لزمهم الإيمان بها دون نزول الملك في الوضوح، وليس الأمر كذلك.
فالوجه- والله أعلم- أن يكون سبب تعجيل عقوبتهم بتقدير نزول الملك وعدم إيمانهم، أنهم اقترحوا ما لا يتوقف وجوب الإيمان عليه، إذ الذي يتوقف الوجوب عليه المعجز من حيث كونه معجزا، لا المعجز الخاص، فإذا أجيبوا على وفق مقترحهم، فلم ينجع فيهم، كانوا حينئذ على غاية من الرسوخ في العناد المناسب لعدم النّظرة- والله أعلم-.
قال المهايميّ: لا دليل على النبوة سوى شهادة الملك، وتنزيل الملك بصورته الملكوتية يقطع أمر التكليف، إذ لا ينفع الإيمان بعد انكشاف عالم الملكوت، فلا يمهلون، لأن الإمهال للنظر. والمعجزة- وإن أفادت علما ضروريّا- لا تخلو عن خفاء يحتاج إلى أدنى نظر، ولا خفاء مع انكشاف عالم الملكوت، فلا وجه للإمهال للنظر، فلا يقبل الإيمان معه، فلا بد من المؤاخذة عقيبه. انتهى- فليتأمل-.
وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (٩)
وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا جواب ثان. أي: ولو جعلنا النذير الذي اقترحوه ملكا لمثلناه رجلا، لما مرّ من عدم استطاعة الآحاد، لمعاينة الملك على صورته، من النور. وإنما رآه كذلك الأفراد من الأنبياء بقوتهم القدسية. وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ جواب محذوف. أي: ولو جعلناه رجلا لشبهنا عليهم ما يشبهون على أنفسهم حينئذ، بأن يقولوا له: إنما أنت بشر، ولست بملك. ولو استدل على