مشهورة مستفاضة. ألا ترى أنهم لم يعدوا إثبات ياءات الزوائد وحذف ياء تَسْئَلْنِي [الكهف: ٧٠] ، في الكهف: وقراءة (وأكون من الصالحين) والظاء من بِضَنِينٍ [التكوير: ٢٤] ونحو ذلك، من مخالف الرسم المردود. فإن الخلاف في ذلك يغتفر، إذ هو قريب يرجع إلى معنى واحد، وتمشية صحة القراءة وشهرتها وتلقيتها بالقبول- وذلك بخلاف زيادة كلمة ونقصانها وتقديمها وتأخيرها حتى لو كانت حرفا من حروف المعاني، فإن حكمه في حكم الكلمة لا يسوغ مخالفة الرسم فيه. وهذا هو الحد الفاصل في حقيقة اتباع الرسم ومخالفته.
[مدار القراءات على صحة النقل لا على الأقيس، عربية]
قال الداني في جامع البيان: أئمة القراءة لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية. بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل والرواية. إذا ثبتت عنهم لم يردها قياس عربية ولا فشوّ لغة. لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها.
[ذكر من ذهب إلى أن مرجع القراءات ليس هو السماع بل الاجتهاد]
يفهم من مواضع من الكشاف اعتماده أن مرجع القراءات اجتهاد الأئمة القارئين. ولذلك جاء في سورة الكهف عند آية هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ [الكهف: ٤٤] ما مثاله: وقرأ عمرو بن عبيد بالنصب على التأكيد كقولك: هذا عبد الله الحقّ لا الباطل. وهي قراءة سنة فصيحة، وكان عمرو بن عبيد من أفصح الناس وأنصحهم. فكتب الناصر في الانتصاف يتعقبه ما مثاله: قد تقدم الإنكار عليه في مثل هذا القول، فإنه يوهم أن القراءات موكولة إلى رأي الفصحاء واجتهاد البلغاء، فتتفاوت في الفصاحة لتفاوتهم فيها، وهذا منكر شنيع. والحق أنه لا يجوز لأحد أن يقرأ إلا بما سمعه فوعاه متصلا بفلق فيه صلّى الله عليه وسلّم، منزلا كذلك من السماء، فلا وقع لفصاحة الفصيح. وإنما هو ناقل كغيره. ولكن الزمخشري لا يفوته الثناء على رأس البدعة ومعدن الفتنة. فإن عمرو بن عبيد أول مصمم على إنكار القدر وهلم جرّا إلى سائر البدع الاعتزالية. فمن ثم أثنى عليه. يعني بما تقدم له، ما ذكره في سورة الأنعام في آية وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ [الأنعام: ١٣٧] ، وذلك أن الزمخشري قال هناك: وأما قراءة ابن عامر: قتل أولادهم شركائهم. برفع القتل ونصب الأولاد وجر الشركاء على إضافة القتل إلى الشركاء