للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنفسهم صورة التناجي وحقيقته، وكان تناجيهم في تدبير أمرهم على أي صفة يذهبون، وما يقولون لأبيهم في شأن أخيهم؟ كقوم تعايوا بما دهمهم من الخطب، فاحتاجوا إلى التشاور. انتهى

[لطيفة:]

ذكر القاضي عياض في (الشفا) في (بحث إعجاز القرآن) : أن أعرابيا سمع رجلا يقرأ: فلما استيأسوا منه خلصوا نجيّا، فقال: أشهد أن مخلوقا لا يقدر على مثل هذا الكلام.

وقال الثعالبي في كتاب (الإيجاز والإعجاز) في الباب الأول: من أراد أن يعرف جوامع الكلم، ويتنبه لفضل الاختصار، ويحيط ببلاغة الإيماء، ويفطن لكفاية الإيجاز فليتدبر القرآن، وليتأمل علوّه على سائر الكلام.

ثم قال: فمن ذلك قوله عز ذكره، في إخوة يوسف فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا وهذه صفة اعتزالهم جميع الناس وتقليبهم الآراء ظهرا لبطن، وأخذهم في تزوير ما يلقون به أباهم عند عودهم إليه، وما يوردون عليه من ذكر الحادث.

فتضمنت تلك الكلمات القصيرة معاني القصة الطويلة.

وقوله تعالى: قالَ كَبِيرُهُمْ أي في السن، كما هو المتبادر، وهو، فيما يروى، (رؤبين) ، أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ أي عهدا وثيقا في ردّ أخيكم. وإنما جعل منه تعالى لكون الحلف كان باسمه الكريم. وَمِنْ قَبْلُ أي قبل هذا ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ أي قصرتم في شأنه و (ما) إما مزيدة، و (من) متعلق بالفعل بعده، والجملة حالية. وإما مصدرية في موضع رفع بالابتداء و (من قبل) خبره. أو في موضع نصب عطفا على معمول (تعلموا) . وإما موصولة بالوجهين، أي: قدمتموه في حقه من الخيانة، ولم تحفظوا عهد أبيكم، بعد ما قلتم: وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ [يوسف: ١١] ، ووَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [يوسف: ٦٣] .

فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ أي: فلن أفارق أرض مصر حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أي في الرجوع أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي أي بالخروج من مصر، أو بخلاص أخي بسبب ما. وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ لأنه لا يحكم إلا بالحق والعدل.

ثم أمر كبيرهم أن يخبروا أباهم بما جرى، فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>