أدوائهم، وهو إخلالهم بالتدبر والتأمل، واستهتارهم بدين الآباء الضلال من غير برهان، وتعللهم بأنه مجنون، بعد ظهور الحق، وثبات التصديق من الله بالمعجزات والآيات النيرة، وكراهتهم للحق وإعراضهم عما فيه حظهم من الذكر. وقوله تعالى:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المؤمنون (٢٣) : آية ٧٥]]
وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥)
وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ.
قال ابن جرير: أي ولو رحمنا هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة، ورفعنا عنهم ما بهم من القحط والجدب، وضر الجوع والهزال لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يعني في عتوهم وجرأتهم على ربهم يَعْمَهُونَ يعني يترددون. وأشار ابن كثير إلى معنى آخر فقال:
يخبر تعالى عن غلظهم في كفرهم، بأنه لو أزاح عنهم الضر، وأفهمهم القرآن، لما انقادوا له، ولاستمروا على كفرهم وعنادهم وطغيانهم، كما قال تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال: ٢٣] ، وقال:
وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ [الأنعام:
٢٧- ٢٨] الآية. فهذا من باب علمه تعالى بما لا يكون، لو كان كيف يكون.
انتهى.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المؤمنون (٢٣) : آية ٧٦]]
وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (٧٦)
وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ.
قال ابن جرير: أي ولقد أخذنا هؤلاء المشركين بعذابنا، وأنزلنا بهم بأسنا وسخطنا، وضيقنا عليهم معايشهم، وأجدبنا بلادهم، وقتلنا سراتهم بالسيف فما استكانوا لربهم. أي فما خضعوا لربهم فينقادوا لأمره ونهيه، وينيبوا إلى طاعته.
وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخذ الله قريشا بسني الجدب، إذ دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن الحسن قال: إذا أصاب الناس من قبل الشيطان بلاء، فإنما هي نقمة. فلا تستقبلوا نقمة الله بالحمية. ولكن استقبلوها بالاستغفار، وتضرعوا إلى الله. وقرأ هذه الآية وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ.