وأوثقهم بنصره، وداعيهم إلى الصبر- وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ- وهم الأثبت بعده، العازمون على الصبر، الموقنون بوعد النصر- مَتى نَصْرُ اللَّهِ- استبطاء له، واستطالة لمدّة الشدة والعناء- فيقال لهم: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ. كما قال تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح: ٥- ٦] أي: فاصبروا كما صبروا تظفروا..! وقد حصل من هذا الابتلاء جانب عظيم للصحابة رضي الله عنهم يوم الأحزاب، كما قال الله تعالى: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ... [الأحزاب: ١٠- ١٢] الآيات.
وروى البخاري «١» عن خبّاب بن الأرتّ رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو متوسد بردة له في ظلّ الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟
فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها. فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما يصدّه ذلك عن دينه. والله! ليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلّا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون..!.
وفي رواية: ... وهو متوسد بردة، وقد لقينا من المشركين شدة ...
ولما سأل هرقل أبا سفيان: هل قاتلتموه؟ قال: نعم! قال: فكيف كانت الحرب بينكم قال: سجالا، يدال علينا وندال عليه. قال: كذلك الرسل تبتلى ثمّ تكون لها العاقبة!.