للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به قلوب الرعاع والعامة والحمقى ومن لا يزن عند ربه جناح بعوضة. إذ يرون تناول الطعام في المحافل وتكثير سواد الناس في المجامع والخروج للأسواق لقضاء الحاجات، من أعظم الهوادم لصروح الاعتقاد فيهم. فتراهم يأنفون من شراء حوائجهم بأيديهم، وهو السنة. ومن المشي بالأسواق، وهو المأذون فيه. ومن إجابة الدعوة، وهي واجبة، لأوهام في أنفسهم شيدوها. ومحافظة على السمعة حموا جانبها. فتبّا لهم من قوم مبتدعين، يعبدون قلوب الخلق ولا يعبدون الله. ويريدون حالة فوق ما عليه رسل الله. وما ذلك إلا لله. فما أجرأهم على منازعة الجبار! وما أصبرهم على النار! وقوله تعالى:

وَما كانُوا خالِدِينَ أي في الدنيا، بل كانوا يعيشون ثم يموتون كما قال تعالى: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ [الأنبياء: ٣٤] ، وخاصتهم أنهم يوحى إليهم من الله عزّ وجلّ. تنزل عليهم الملائكة بما يحكمه في خلقه مما يأمر به وينهى عنه. وكونهم بشرا في تمام النعمة الإلهية. وذلك ليتمكن المرسل إليهم من الأخذ عنهم والانتفاع بهم. إذ الجنس أميل إلى الجنس.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنبياء (٢١) : آية ٩]]

ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (٩)

ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ أي في غلبتهم على أعدائهم كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة: ١٢] ، فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ أي من أتباعهم ومن قضت الحكمة بإبقائه وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ أي المجاوزين الحدود في الكفر. ثم نبه تعالى على شرف القرآن، محرضا لهم على معرفة قدره، بقوله:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنبياء (٢١) : آية ١٠]]

لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠)

لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أي شرفكم وحديثكم الذي تذكرون به فوق شرف الأشراف أَفَلا تَعْقِلُونَ أي هذه النعمة وتتلقونها بالقبول كما قال تعالى: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ، وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ [الزخرف: ٤٤] ، وقيل: معنى ذِكْرُكُمْ موعظتكم فالذكر بمعنى التذكير مضاف للمفعول. قال أبو السعود: وهو الأنسب بسباق النظم الكريم وسياقه. فإن قوله تعالى أَفَلا تَعْقِلُونَ إنكار توبيخيّ، فيه بعث لهم على التدبر في أمر الكتاب، والتأمل فيما في تضاعيفه من فنون المواعظ

<<  <  ج: ص:  >  >>