تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنفال: ٣٠] فيكون نعيا عليهم جنايتهم القديمة وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أي بالقتال يوم بدر، حين خرجوا لنصر عيرهم فما نجت وعلموا بذلك، استمروا على وجوههم طلبا للقتال، بغيا وتكبرا. وقيل:
بنقضهم العهد، وقتالهم مع حلفائهم بني بكر لخزاعة، أحلاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتى سار إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام الفتح وكان ما كان. قاله ابن كثير.
وقال الزمخشري: أي وهم الذين كانت منهم البداءة بالمقاتلة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم جاءهم أولا بالكتاب المنير، وتحداهم به، فعدلوا عن المعارضة، لعجزهم عنها، إلى القتال، فهم البادئون بالقتال، والبادئ أظلم. فما يمنعكم من أن تقاتلوهم بمثله، وأن تصدموهم بالشر كما صدموكم أَتَخْشَوْنَهُمْ أي أتخافون أن ينالكم منهم مكروه حتى تتركوا قتالهم فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ بمخالفة أمره وترك قتالهم إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يعني أن قضية الإيمان الصحيح أن لا يخشى المؤمن إلا ربه، ولا يبالي بمن سواه كقوله تعالى: وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ [الأحزاب: ٣٩] . قاله الزمخشري- وفيه من التشديد ما لا يخفى.
ثم عزم تعالى على المؤمنين الأمر بالقتال لحكمته بقوله:
قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ أي بآلام الجراحات والموت بِأَيْدِيكُمْ أي تغليبا لكم عليهم وَيُخْزِهِمْ أي بالأسر والاسترقاق، فيجتمع في حقهم العذاب الحسي والمعنوي وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ أي: ممن لم يشهد القتال.
وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ أي بما كابدوا من المكاره والمكايد وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ أي فيحصل لكم أجرهم وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ أي في أفعاله وأوامره. وقد أنجز الله سبحانه لهم هذه المواعيد كلها، فكان إخباره صلّى الله عليه وسلّم بذلك قبل وقوعه معجزة عظيمة دالة على صدقه وصحة نبوته.