للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنسان يحدث بلغة قوم. فلينذرهم وليدعهم.

قال ابن كثير: سياق غريب جدا. وقال ابن جريج عن مجاهد: صلبوا رجلا شبه بعيسى. ورفع الله عز وجل عيسى إلى السماء حيّا.

[فصل في رد زعم النصارى أن إلقاء الشبه يفضي إلى السفسطة]

قال خير الدين في (الجواب الفسيح) قال النصارى: القول بإلقاء الشبه على عيسى عليه السلام قول يفضي إلى السفسطة، والدخول في الجهالات، وما لا يليق بالعقلاء. لأنا إذا جوزنا ذلك فينبغي إذا رأى الإنسان ولده أو زوجته لم يثق بأنه ولده أو زوجته. وكذلك سائر المعارف. لا يثق الإنسان بأحد منهم ولا يسكن إليه. ونحن نعلم بالضرورة أن الإنسان يقطع بأن ولده هو ولده. وإن كل واحد من معارفه هو، من غير شك ولا ريبة. بل القول بالشبه يمنع من الوثوق بمدينة الإنسان ووطنه إذا دخله.

ولعله مكان آخر ألقي عليه الشبه. بل إذا غمض الإنسان عينه عن صديقه بين يديه لحظة، ثم فتحها، ينبغي أن لا يقطع بأنه صديقه. لجواز إلقاء الشبه على غيره. وكل ذلك خلاف الضرورة. فالقول بإلقاء الشبه على غير عيسى خلاف الضرورة. كالقول بأن الواحد نصف العشرة مثلا، فلا يسمع.

والجواب عنه من وجوه: أحدها- أن هذا تهويل ليس عليه تعويل. بل البراهين القاطعة، والأدلة الساطعة قائمة على أن الله تعالى خلق الإنسان وجملة أجزاء العالم. وإن حكم الشيء حكم مثله: فما من شيء خلقه الله تعالى في العالم إلا هو قادر على خلق مثله. لتعذر خلقه في نفسه. فيلزم أن يكون خلق الإنسان مستحيلا.

بل جملة العالم، وهو محال بالضرورة. وإذا ثبت أن الله تعالى قادر على خلق مثل لكل شيء في العالم، فجميع صفات جسد عيسى عليه السلام لها أمثال في حيز الإمكان في العدم، يمكن خلقها في محل آخر غير جسد المسيح. فيحصل الشبه قطعا. فالقول بالشبه قول بأمر ممكن. لا بما هو خلاف الضرورة. ويؤنس ذلك أن التوراة مصرحة بأن الله تعالى خلق جميع ما للحية في عصا موسى عليه السلام. وهو أعظم من الشبه. فإنّ جعل حيوان يشبه حيوانا، وإنسان يشبه إنسانا- أقرب من جعل نبات يشبه حيوانا. وقلب العصا مما أجمع عليه اليهود والنصارى. كما أجمعوا على قلب النار بردا وسلاما. وعلى قلب لون يد موسى عليه السلام. وعلى انقلاب الماء

<<  <  ج: ص:  >  >>