للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النحل (١٦) : آية ٩]]

وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (٩)

وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ.

في الآية فوائد:

الأولى: قال ابن كثير: لما ذكر تعالى من الحيوانات ما يسار عليه في السبل الحسية نبّه على الطرق المعنوية الدينية. وكثيرا ما يقع في القرآن العبور من الأمور الحسية إلى الأمور المعنوية الدينية. كقوله تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى [البقرة: ١٩٧] ، وقال تعالى: يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً، وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ

[الأعراف: ٢٦] .

ولما ذكر تعالى، في هذه السورة الحيوانات من الأنعام وغيرها، التي يركبونها ويبلغون عليها حاجة في صدورهم، وتحمل أثقالهم إلى البلاد والأماكن البعيدة والأسفار الشاقة، شرع في ذكر الطرق التي يسلكها الناس إليه. فبيّن أن الحق منها موصلة إليه. فقال: وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ. كقوله تعالى: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام: ١٥٣] . وقال:

هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ [الحجر: ٤١] ، انتهى. وقوله سبحانه: إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى.

الثانية- قال أبو السعود: (القصد) مصدر بمعنى الفاعل. يقال سبيل قصد وقاصد. أي مستقيم. على طريقة الاستعارة أو على نهج إسناد حال سالكه إليه، كأنه يقصد الوجه الذي يؤمه السالك لا يعدل عنه. أي حقّ عليه سبحانه وتعالى، بموجب رحمته ووعده المحتوم، بيان الطريق المستقيم الموصل لمن يسلكه إلى الحق، الذي هو التوحيد. بنصب الأدلة وإرسال الرسل وإنزال الكتب لدعوة الناس إليه. أو مصدر بمعنى الإقامة والتعديل. قاله أبو البقاء. أي عليه، عزّ وجلّ، تقويمها وتعديلها. أي: جعلها بحيث يصل سالكها إلى الحق. لكن لا بعد ما كانت في نفسها منحرفة عنه، بل إبداعها ابتداء كذلك على نهج (سبحان من صغّر البعوض وكبّر الفيل) وحقيقته راجعة إلى ما ذكر من نصب الأدلة. وقد فعل ذلك حيث أبدع هذه البدائع التي كل واحد منها لا حب يهتدى بمناره. وعلم يستضاء بناره. وأرسل رسلا مبشرين ومنذرين. وأنزل عليهم كتبا من جملتها هذا الوحي الناطق بحقيقة الحق. الفاحص عن كل ما جل من الأسرار ودق. الهادي إلى سبيل الاستدلال بتلك

<<  <  ج: ص:  >  >>