للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٦٢ الى ٦٣]

وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٢) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (٦٣)

وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها جملة مستأنفة، سيقت للتحريض على ما وصف به السابقون من فعل الطاعات المؤدي إلى نيل الخيرات، ببيان سهولته، وكونه غير خارج عن حد الوسع والطاقة. أي سنتنا جارية على ألا نكلف نفسا من النفوس إلا ما في وسعها. أو للترخيص فيما هو قاصر عن درجة أعمال أولئك الصالحين، ببيان أنه تعالى لا يكلف عباده إلا ما في وسعهم. فإن لم يبلغوا في فعل الطاعات مراتب السابقين، فلا عليهم، بعد أن يبذلوا طاقتهم ويستفرغوا وسعهم، أفاده أبو السعود، وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وهو كتاب الأعمال. كقوله تعالى: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ، إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية: ٢٩] ، وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا أي مما عليه هؤلاء الموصوفون من المؤمنين وَلَهُمْ أَعْمالٌ أي سيئة كثيرة مِنْ دُونِ ذلِكَ أي الذي ذكر من كون قلوبهم في غفلة، وهي فنون كفرهم ومعاصيهم هُمْ لَها عامِلُونَ أي معتادون لا يزايلونها.

[تنبيه:]

أغرب الإمام أبو مسلم الأصفهانيّ فيما نقله عنه الرازيّ، فذهب إلى أن قوله تعالى بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا ... إلى آخر الآية، من تتمة صفات المؤمنين المشفقين. كأنه سبحانه قال بعد وصفهم وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ونهايته ما أتى به هؤلاء المشفقون، ولدينا كتاب يحفظ أعمالهم ينطق بالحق وهم لا يظلمون.

بل نوفر عليهم ثواب كل أعمالهم، بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا هو أيضا وصف لهم بالحيرة كأنه قال: وهم مع ذلك الوجل والخوف كالمتحيرين في جعل أعمالهم مقبولة أو مردودة، وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ. أي لهم أيضا من النوافل ووجوه البر سوى ما هم عليه. إما أعمالا قد عملوها في الماضي أو سيعملونها في المستقبل. ثم إنه تعالى رجع.

قال الرازيّ: وقول أبي مسلم أولى لأنه إذا أمكن ردّ الكلام إلى ما يتصل به من ذكر المشفقين، كان أولى من ردّه إلى ما بعد منه، وقد يوصف المرء لشدة فكره في أمر آخرته، بأن قلبه في غمرة، ويراد أنه قد استولى عليه الفكر في قبول عمله أو ردّه، وفي أنه هل أداه كما يجب أو قصر. انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>