الخامس: إن المبالغة لتأكيد معنى بديع، وذلك لأن جملة: وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ- اعتراض تذييليّ مقرر لمضمون ما قبلها، أي والأمر أنه تعالى ليس بمعذب لعبيده بغير ذنب من قبلهم. والتعبير عن ذلك بنفي الظلم لبيان كمال نزاهته تعالى عن ذلك بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه سبحانه من الظلم، كما يعبر عن ترك الإثابة على الأعمال بإضاعتها. وصيغة المبالغة لتأكيد هذا المعنى بإبراز ما ذكر من التعذيب بغير ذنب في صورة المبالغة في الظلم.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ١٨٣]]
الَّذِينَ قالُوا نصب بتقدير (أعني) أو رفع على الذم بتقدير (هم الذين قالوا) : إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أي أمرنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ أي تبكيتا لهم، وإظهارا لكذبهم قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ أي المعجزات الواضحة وَبِالَّذِي قُلْتُمْ بعينه من تشريع القربان الذي تأكله النار فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ أي فلم قابلتموهم بالتكذيب والمخالفة والمعاندة وقتلتموهم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في أنكم تتبعون الحق وتنقادون للرسل.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ١٨٤]]
فَإِنْ كَذَّبُوكَ أي بعد بطلان عذرهم المذكور فَقَدْ كُذِّبَ أي فلا تحزن وتسلّ فقد كذب رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ جمع زبور أي الكتب الموحاة منه تعالى وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ أي الواضح الجليّ. والزبور والكتاب: واحد في الأصل، وإنما ذكرا لاختلاف الوصفين. فالزبور فيه حكم زاجرة، والكتاب المنير هو المشتمل على جميع الشريعة.