لعظمته عزّ وجلّ، وأن شأنه مع عبيده لا يقاس به شأن عبيد الخلق معهم، فإن عبيدهم مطلوبون بالخدمة والتكسب للسادة، وبواسطة كاسب عبيدهم، قدّر أرزاقهم والله تعالى لا يطلب من عباده رزقا ولا إطعاما، بل هو الذي يرزقهم. وإنما يطلب منهم عبادته ليصرفوا ما أنعم به عليهم إلى ما خلقوا لأجله.
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا أي ظلموا أنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد بتكذيب الرسول والإصرار على الشرك والبغي والفساد، ذَنُوباً أي نصيبا وافرا من العذاب مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ أي مثل أنصباء نظرائهم من الأمم المحكية. وأصل (الذنوب) الدلو العظيمة الممتلئة ماء، أو القريبة من الامتلاء. وهي تذكّر وتؤنّث، فاستعيرت للنصيب مطلقا، شرا كالنصيب من العذاب في الآية، أو خيرا كما في العطاء في قول عمرو بن شاس:
وفي كل حيّ قد خبطت بنعمة ... فحقّ لشأس من نداك ذنوب
وهو مأخوذ من مقاسمة السقاة الماء بالذنوب، فيعطى لهذا ذنوب، ولآخر مثله.
فَلا يَسْتَعْجِلُونِ أي لا يطلبوا مني أن أعجل به قبل لأجله، فإنه لا بد آتيهم، ولكن في حينه، المؤخر لحكمة.
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ أي أوعدوا فيه نزول العذاب بهم، ماذا يلقون فيه من البلاء والجهد. و (اليوم) إما يوم القيامة، أو يوم بدر.
قال أبو السعود: والأول هو الأنسب بما في صدر السورة الكريمة الآتية.
والثاني هو الأوفق لما قبله، من حيث إنهما من العذاب الدنيوي- والله أعلم-.