للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أنفسكم من كونكم أهدى من الطائفتين على تقدير نزول الكتاب عليكم، فقد حصل ما فرضتم وجاءكم بَيِّنَةٌ أي: كتاب حجة واضحة مِنْ رَبِّكُمْ متعلق ب (جاءكم) أو بمحذوف صفة ل (بيّنة) أي: بينة كائنة منه تعالى لا يتوهم فيه السحر وَهُدىً بإقامة الدلائل ورفع الشبه وَرَحْمَةٌ بإفاضة الفوائد وتسهيل طريقكم وتيسيرها إلى أشرف الكمالات فَمَنْ أَظْلَمُ. قال أبو السعود: الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها. فإن مجيء القرآن المشتمل على الهدى والرحمة موجب لغاية أظلمية من يكذبه. أي: وإذا كان الأمر كذلك فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها أي: صرف الناس وصدّهم عنها. فجمع بين الضلال والإضلال.

والمعنى إنكار أن يكون أحد أظلم منه أو مساويا له سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ الناس عَنْ آياتِنا أي: التي لو لم يصدفوا عنها لعرفوا إعجازها سُوءَ الْعَذابِ أي:

العذاب السيء بِما كانُوا يَصْدِفُونَ وهذا كقوله تعالى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ [النحل: ٨٨] .

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ١٥٨]]

هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٥٨)

هَلْ يَنْظُرُونَ يعني قد أقمنا حجج الوحدانية وثبوت الرسالة وأبطلنا ما كانوا يعتقدون من الضلالة. فما ينتظر هؤلاء بعد تكذيبهم الرسل وإنكارهم القرآن وصدّهم عن آيات الله؟.

قال البيضاوي: يعني أهل مكة. وهم ما كانوا منتظرين لذلك. ولكن لما كان يلحقهم لحوق المنتظر، شبهوا بالمنتظرين. إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ يعني للحكم وفصل القضاء بين الخلق يوم القيامة.

قال ابن كثير: وذلك كائن يوم القيامة. وقد تقدم الكلام في معنى الآية في سورة البقرة عند قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ [البقرة: ٢١٠] بما فيه كفاية.

ومذهب السلف: إمرار ذلك بلا كيف، كما مرّ مرارا.

قيل: إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أي: ملائكة الموت لقبض أرواحهم أَوْ يَأْتِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>