للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول: إن استدلال الفرقتين على مدعاهما وقوف مع عموم اللفظ. إلا أن الآية الكريمة بمعزل عن إرادة خلافة السلطنة والملك.

المراد بالعهد، تلك الإمامة المسؤول عنها. وهل كانت إلا الإمامة في الدين وهي النبوّة التي حرمها الظالمون من ذريته؟ كما قال تعالى: وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ ولو دلت الآية على ما ادّعوا لخالفه الواقع ... فقد نال الإمامة الدنيوية كثير من الظالمين. فظهر أن المراد من العهد إنما هو الإمامة في الدين خاصّة. والاحتجاج بها على عدم صلاحية الظالم للولاية تمحل. لأنه اعتبار لعموم اللفظ من غير نظر إلى السبب ولا إلى السياق، أو ذهاب إلى الخبر في معنى الأمر بعدم تولية الظالم. كما قاله بعضهم. وهو أشد تمحلا.

ومعلوم أن الإمام لا بد أن يكون من أهل العدل والعمل بالشرع، كما ورد، ومتى زاغ عن ذلك كان ظالما، والبحث في ذلك له غير هذا المقام. وبالله التوفيق.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ١٢٥]]

وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥)

وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ أي الذي بناه إبراهيم بأم القرى. وهو اسم غالب للكعبة.

كالنجم للثريا مَثابَةً لِلنَّاسِ مباءة مرجعا للحجاج والعمّار، يتفرقون عنه ثم يثوبون إليه. ومثابة مفعلة. من «الثوب» وهو الرجوع تراميا إليه بالكلية. وسر هذا التفضيل ظاهر في انجذاب الأفئدة وهوى القلوب وانعطافها ومحبتها له. فجذبه للقلوب أعظم من جذب المغناطيس للحديد فهو الأولى بقول القائل:

محاسنه هيولى كل حسن ... ومغناطيس أفئدة الرجال

فهم يثوبون إليه على تعاقب الأعوام من جميع الأقطار. ولا يقضون منه وطرا.

بل كلما ازدادوا له زيارة، ازدادوا له اشتياقا.

لا يرجع الطرف عنها حين يبصرها ... حتى يعود إليها الطرف مشتاقا

فلله كم لها من قتيل وسليب وجريح! وكم أنفق في حبها من الأموال والأرواح! ورضي المحب بمفارقة فلذ الأكباد والأهل والأحباب والأوطان، مقدما بين

<<  <  ج: ص:  >  >>