وإن الله يحكم آياته وينسخ شبه الشيطان، ليحق الحق ويبطل الباطل. فلما كانت هذه عادته، ولها من الأثر ما لها، احتيج إلى الاستعاذة به تعالى منها، عند قراءة الوحي ونشر تعاليمه.
ثم بين تعالى أن أثر وسوسته إنما يكون فيمن له سلطان عليهم. أي تسلط وولاية من أوليائه المتبعين خطواته. وأما الذين آمنوا وتوكلوا على ربهم، فصبروا على المكاره ولم يبالوا بما يلقون في سبيل الجهاد بالحق من العثرات، فليس له عليهم سلطان. فهم يضادون أمانيه ويهدمون كل ما يلقيه. لأن إيمانهم يفيدهم النور الكاشف عن مكره، والتوكل على الله يفيدهم التقوية بالله، فيمنع من معاندة الشيطان وقوة تأثيره. و (الرجيم) من أوصاف الشيطان الغالبة. أي الملعون المرجوم باللعنة أو المطرود أو المرجوم بالكواكب. والضمير في (به) لربهم والباء للتعدية. أو للشيطان والباء للسببية أي بسببه وغروره ووسوسته. ورجح باتحاد الضمائر فيه.
وأشار بعضهم إلى أن المعنى أشركوه في عبادة الله تعالى، وكله مما يحتمله اللفظ الكريم ويصح إرادته.
[تنبيه:]
في الآية مشروعية الاستعاذة قبل القراءة، وهو شامل لحالة الصلاة وغيرها. وقال قوم بوجوبها لظاهر الأمر. وسرها في غيره صلى الله عليه وسلم التحصن به تعالى أن لا يلبس الشيطان القراءة وأن لا يمنع من التدبر والتذكر.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النحل (١٦) : الآيات ١٠١ الى ١٠٢]
التبديل رفع الشيء مع وضع غيره مكانه، فتبديل الآية رفعها بآية أخرى.
والأكثرون على أن المعنى نسخ آية من القرآن لفظا أو حكما بآية أخرى غيرها، لحكمة باهرة أشير إليها بقوله: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ من ناسخ قضت الحكمة أن يتبدل المنسوخ الأول به. وذهب قوم إلى أن المعنى تبديل آية من آيات الأنبياء