يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ يريدون موافقتهم في الظاهر قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ أي محنتموها بالنفاق وأهلكتموها وَتَرَبَّصْتُمْ أي بالمؤمنين الدوائر، ليظهر الكفر فتظهروا ما في أنفسكم وَارْتَبْتُمْ أي في توحيد الله، ونبوّة نبيّه، أو في البعث بعد الموت، أو في قوله لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة: ٣٣] و [الفتح: ٢٨] ، ووعده بنصر المؤمنين، أو في جميع ذلك. وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ أي طول الآمال، والطمع في امتداد الأعمار. أو قولهم: سَيُغْفَرُ لَنا. حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ يعني: الموت، أو مصداق وعده بنصره رسوله، وإظهاره دينه، أو عذاب النار وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ أي الشيطان، فأطمعكم بالنجاة والفوز والغلبة. وقرئ (الغرور) بالضم. فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ هذا من تتمة قول المؤمنين للمنافقين، بعد أن ميز بينهم. أي فاليوم لا يقبل منكم ما يفتدى به، بدلا من عذابكم، وعوضا من عقابكم وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني المهاجرين بالكفر من المحادّين لله ولرسوله مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ أي أولى بكم، أو تتولاكم كما توليتم موجباتها في الدنيا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ أي النار.
ثم نعى عليهم رخاوة عقدهم فيما ندبوا إليه من التصدق في سبيل الله، بأن ذلك من أثر قلة العناية بالخضوع لذكره وتنزيله، تعريضا بالمنافقين، وسوقا للمؤمنين إلى الكمال، فقال سبحانه:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحديد (٥٧) : آية ١٦]]
أَلَمْ يَأْنِ أي ألم يحن. من (أنى الأمر) يأتى، إذا جاء إناه، أي وقته لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ أي أن تلين وترقّ وتخلص قلوبهم لذكر اسمه الكريم وما يوجبه من الوجل منه والخشية، أو لذكر وعده ووعيده. وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ يعني القرآن الذي لو أنزل على جبل لتصدع. قال أبو السعود: ومعنى الخشوع له، الانقياد التامّ لأوامره ونواهيه، والعكوف على العمل بما فيه من الأحكام، التي من جملتها ما سبق وما لحق من الإنفاق في سبيل الله تعالى. وقد قيل: إن عطفه على الذكر عطف أحد الوصفين على الآخر، وأن ذكر الله ككلام الله، بمعنى القرآن، وكذا ما نزل من الحق، فالعطف لتغاير العنوانين، فإنه ذكر وموعظة، كما أنه حق نازل. وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ أي الأجل والإمهال