للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل]

وأما الشرك في العبادة فهو أسهل من هذا الشرك وأخف أمرا. فإنه يصدر ممن يعتقد أنه لا إله إلا الله. وأنه لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع إلا الله. وأنه لا إله غيره ولا رب سواه. ولكن لا يخلص لله في معاملته وعبوديته. بل يعمل لحظّ نفسه تارة وطلب الدنيا تارة. ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق تارة. فلله من عمله وسعيه نصيب. ولنفسه وحظه وهواه نصيب. وللشيطان نصيب. وللخلق نصيب.

هذا حال أكثر الناس. وهو الشرك الذي

قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن حبان في صحيحه «١» : «الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل. قالوا: وكيف ننجو منه؟

يا رسول الله! قال: قل: اللهم! إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم» .

فالرياء كله شرك. قال تعالى: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ، فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف: ١١٠] .

أي كما أنه إله واحد، لا إله سواه، فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده.

فكما تفرّد بالإلهية، يجب أن يفرد بالعبودية. فالعمل الصالح هو الخالي من الرياء، المقيد بالسنة. وكان من دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اللهم! اجعل عملي كله صالحا، واجعله لوجهك خالصا. ولا تجعل لأحد فيه شيئا. وهذا الشرك في العبادة يبطل العمل. وقد يعاقب عليه إذا كان العمل واجبا. فإنه ينزله منزلة من لم يعمله، فيعاقب على ترك الأمر. فإن الله سبحانه إنما أمر بعبادته خالصة. قال تعالى:

وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ [البينة: ٥] .

فمن لم يخلص لله في عبادته لم يفعل ما أمر به. بل الذي أتى به، شيء غير المأمور به، فلا يصح ولا يقبل منه. ويقول الله تعالى «٢» : أنا أغنى الشركاء عن الشرك. من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه. وهذا الشرك ينقسم إلى مغفور وغير مغفور. وأكبر وأصغر. والنوع الأول ينقسم إلى كبير وأكبر. وليس شيء منه مغفورا. فمنه الشرك بالله في المحبة والتعظيم بأن يحب المخلوق كما يحب


(١) أخرجه أحمد في المسند ٤/ ٤٠٣.
(٢) أخرجه مسلم في: الزهد والرقائق، حديث ٤٦. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>