أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أي عقولهم بهذا التناقض في القول، أَمْ أي بل هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ أي مجاوزن الحد في العناد، مع ظهور الحق أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ أي اختلق هذا القرآن من عند نفسه، بَلْ لا يُؤْمِنُونَ أي لا يريدون أن يؤمنوا حسدا وتقليدا، فلذلك يرمونه بتلك القرى. فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ أي في الهداية بذاك الأسلوب الذي ملك ناصية الفصاحة والبلاغة. كقوله: قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ [القصص: ٤٩] ، إِنْ كانُوا صادِقِينَ أي في زعمهم، فإنهم من أهل لسان الرسول صلوات الله عليه، ولا يتعذر عليهم مضاهاة بعضهم لبعض، في ميدان التساجل والتراسل.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الطور (٥٢) : الآيات ٣٥ الى ٤٣]
أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ قال ابن جرير: أي أخلق هؤلاء المشركون من غير آباء ولا أمهات، فهم كالجماد لا يعقلون، ولا يفهمون لله حجة، ولا يعتبرون له بعبرة، ولا يتعظون بموعظة. وقد قيل: إن معنى ذلك أم خلقوا لغير شيء، كقول القائل: فعلت كذا وكذا من غير شيء، بمعنى: لغير شيء أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ أي أنفسهم، أو هذا الخلق، فهم لذلك لا يأتمرون لأمر الله، ولا ينتهون عما نهاهم عنه، لأن للخالق الأمر والنهي أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ أي بوعيد الله، وما أعدّ لأهل الكفر به من العذاب في الآخرة، فلذلك فعلوا ما فعلوا. أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أي خزائن رزقه، فهم لاستغنائهم معرضون أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ أي الجبابرة المتسلطون أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ أي مرتقي إلى السماء يَسْتَمِعُونَ فِيهِ أي