وكل ذلك تذكير لأهل الكتاب بما عندهم من العلم بأمر هذا النبي الكريم، وإقامة المحجة عليهم، لأن أكثر ذلك معطوف على اذْكُرُوا في قوله يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ [البقرة: ٤٠] ولما ذكر إمامته عليه السلام، ذكر ما يؤتم به فيه، وهو سبب اصطفائه، وصلاحه، وذلك دينه، وما أوصى به بنيه، وما أوصى به بنوه بنيهم سلفا عن خلف، ولا سيما يعقوب عليه السلام المنوه بنسبه أهل الكتاب إليه فقال:
إِذْ أي اصطفيناه لأنه قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ أي لربك، أي انقد له، وأخلص نفسك له، أو استقم على الإسلام، واثبت على التوحيد قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ وظاهر النظم الكريم أن القول حقيقيّ، وليس في ذلك مانع، ولا ما جاء ما يوجب تأويله. وقول بعضهم: هو تمثيل، والمعنى: أخطر بباله دلائل التوحيد المؤدية إلى المعرفة الداعية إلى الإسلام- ليس بشيء. ولا معنى لحمل شيء من الكلام على المجاز، إذا أمكنت فيه الحقيقة بوجه ما.
وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ شروع في بيان تكميله عليه السلام لغيره، إثر بيان كماله في نفسه. والتوصية التقدم إلى الغير في الشيء النافع المحمود عاقبته.
والضمير في بِها إما عائد لقوله: أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ على تأويل الكلمة والجملة. ونحوه رجوع الضمير في قوله وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً [الزخرف: ٢٨] إلى قوله: إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي [الزخرف: ٢٦- ٢٧] ، وقوله:
كَلِمَةً دليل على أن التأنيث على تأويل الكلمة. وإما عائد إلى الملة في قوله:
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ، وأيّد الأول بكون الموصى به مطابقا في اللفظ لأسلمت، وقرب المعطوف عليه. ورجح القاضي الثاني لكون المرجع مذكورا صريحا، وردّ الإضمار إلى المصرح بذكره، إذا أمكن، أولى من رده إلى المدلول والمفهوم. ولكون الملة أجمع من تلك الكلمة. والكل حسن. وقوله تعالى بَنِيهِ