وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ هذا من تتمة ما تقدم من تأكد مباينة المشركين، والبراءة منهم، وترك الاستغفار لهم، وذلك لأنهم حقت عليهم الكلمة، حيث قامت عليهم الحجة بإبلاغ الرسول إليهم ما يتقون، ودلالته إياهم على الصراط السوي فضلّوا عنه، فأضلهم الله، واستحقوا عقابه.
وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ تعليل لما سبق، أي أنه تعالى عليم بجميع الأشياء التي من جملتها حاجتهم إلى بيان قبح ما لا يستقل العقل بمعرفته، فبين لهم ذلك، كما فعل هنا.
إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ تقوية لما تقدم من التبرؤ منهم، وإرشاد للمؤمنين بأن يتكلوا على ربهم، ولا يرهبوا من أولئك، فإنه إذا كان ناصرهم فلا يضرهم كيدهم، وتنبيه على لزوم امتثال أمره، والانقياد لحكمه، والتوجه إليه وحده، إذ لا يتأتى لهم ولاية ولا نصر إلا منه تعالى.
[تنبيه:]
وقف كثير من المفسرين بالآية هنا، أعني قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً الآية- على ما روي في الآية قبلها، من نزولها في استغفار وقع من المؤمنين للمشركين، فربطوا هذه الآية بتلك، على الرواية المذكورة، ونزّلوها على المؤمنين، فقالوا: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً أي ليحكم عليهم باستغفارهم للمشركين بالضلال بعد إذ هداهم بالنبوة والإيمان، حتى يتقدم إليكم بالنهي عنه، فتتركوا، فأما إذا لم يبين فلا ضلال، إلى آخر ما قالوه ...