وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ أي أملناهم إليك، وأقبلنا بهم نحوك يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا أي ليتم التدبر والتفكر فَلَمَّا قُضِيَ أي فرغ من قراءته، كمل تأثرهم به، فأرادوا التأثير به، لذلك وَلَّوْا أي رجعوا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ أي عما هم فيه من الضلال. قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى أي المتفق على تعظيم كتابه. أي وقد علمنا صدقه لكونه مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ أي من هذه الكتب كلها، وقد فضّل عليها إذ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أي معرفة الحقائق وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ أي لا عوج فيه، وهو الإسلام.
قال ابن كثير: أي يهدي إلى الحق في الاعتقاد والأخبار، وإلى طريق مستقيم في الأعمال. فإن القرآن مشتمل على شيئين: خبر وطلب. فخبره صدق، وطلبه عدل، كما قال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا [الأنعام: ١١٥] ، وقال تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ [التوبة: ٣٣] ، فالهدى هو العلم النافع. ودين الحق هو العمل الصالح. وهكذا قالت الجن: يهدي إلى الحق في الاعتقادات، وإلى طريق مستقيم، أي في العمليات.
يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ أي رسول الله محمدا إلى ما يدعوكم إليه من طاعة الله، وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ أي بمعجز ربّه، بهربه إذا أراد تعالى عقوبته، لأنه في قبضته وسلطانه، أنّى اتجه. وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أي نصراء ينصرونه من الله إذا عاقبه.
أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ أي أخذ على غير استقامة.