أُولئِكَ إشارة إلى المذكورين في السورة من لدن زكريا إلى إدريس عليه السلام. وما فيه من معنى البعد، للإشعار بعلوّ رتبتهم وبعد منزلتهم في الفضل.
وقوله تعالى الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أي بفنون النعم الدينية والدنيوية مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا أي هديناهم للحق واجتبيناهم للنبوة والكرامة إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا أي إذا سمعوا كلام الله المتضمن حججه ودلائله وبراهينه، سجدوا لربهم خضوعا واستكانة. مع ما لهم من علوّ الرتبة. وسموّ الزلفى عنده تعالى. وفي الآية استحباب السجود والبكاء عند سماع التلاوة.
قال ابن كثير: أجمع العلماء على مشروعية السجود هاهنا، اقتداء بهم، واتباعا لمنوالهم. وروى ابن جرير وابن أبي حاتم: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ سورة مريم فسجد. وقال: هذا السجود فأين البكي.
ولما ذكر تعالى حزب السعداء، وهم الأنبياء ومن اتبعهم من القائمين بحدود الله وأوامره ذكر من نبذ دعوتهم ممن خلفهم، وما سينالهم، بقوله سبحانه:
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وقرئ (الصلوات) بالجمع أي المتضمنة للسجود والأذكار، المستدعية للبكاء. وإذا أضاعوها، فهم لما سواها من الواجبات أضيع. لأنها عماد الدين وقوامه وخير أعمال العباد وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ أي فأتوا بما ينافي البكاء والأمور المرضية من الأخلاق والأعمال، من الانهماك في المعاصي التي هي بريد الكفر فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا أي شرّا. قال الزمخشريّ: كل شر عند العرب غيّ، وكل خير رشاد. قال المرقش:
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائما
أي من يفعل خيرا، يحمد الناس أمره. ومن يفعل الشر لا يعدم اللوائم على فعله. وقيل: أراد الشاعر بالخير المال. وبالغي الفقر أي ومن يفتقر. ومنه القائل:
والناس من يلق خيرا قائلون له ... ما يشتهي. ولأمّ المخطئ الهبل
أي الثكل. ويجوز أن يكون المعنى جزاء غيّ. كقوله تعالى: يَلْقَ أَثاماً [الفرقان: ٦٨] ، أي شرّا وعقابا. فأطلق عليه كما أطلق الغيّ على مجازاته المسببة