يسأله بلسان استعداده. كما لا يفيض عليه مع السؤال بلا تخلف وتراخ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها لعدم تناهيها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ أي بوضع نور الاستعداد ومادة البقاء في ظلمة الطبيعة ومحل الفناء وصرفه فيها. أو بنقص حق الله أو حق نفسه بإبطال الاستعداد كَفَّارٌ أي بتلك النعم التي لا تحصى، باستعمالها في غير ما ينبغي أن يستعمل، وغفلته عن المنعم عليه به، واحتجابه بها عنه. وقوله تعالى:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة إبراهيم (١٤) : آية ٣٥]]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥)
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ أي اذكر وقت قوله صلوات الله عليه.
قال أبو السعود: والمقصود من تذكيره، تذكير ما وقع فيه من مقالاته عليه السلام على نهج التفصيل. والمراد به تأكيد ما سلف من تعجبه عليه السلام ببيان فن آخر من جناياتهم، حيث كفروا بالنعم الخاصة بهم، بعد ما كفروا بالنعم العامة.
وعصوا أباهم إبراهيم عليه السلام حيث أسكنهم بمكة، شرّفها الله تعالى، لإقامة الصلاة والاجتناب عن عبادة الأصنام والشكر لنعم الله تعالى. وسأله تعالى أن يجعله بلدا آمنا ويرزقهم من الثمرات. وتهوي قلوب الناس إليهم من كل أوب سحيق.
فاستجاب الله دعاءه وجعله حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء. فكفروا بتلك النعم العظام. واستبدلوا بالبلد الحرام دار البوار. وجعلوا لله أندادا وفعلوا ما فعلوا.
رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ يعني البلد الحرام، مكة المكرمة آمِناً أي ذا أمن. أو آمنا أهله. وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أي بعدني وإياهم أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة إبراهيم (١٤) : آية ٣٦]]
رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦)
رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ أي كنّ سببا في إضلالهم. كما يقال:
فتنتهم الدنيا وغرّتهم. إشارة إلى أنه افتتن بالأصنام خلائق لا تحصى. والجملة تعليل لدعائه. وإنما صدره بالنداء إظهارا لاعتنائه به، ورغبته في استجابته فَمَنْ تَبِعَنِي أي على ملتي وكان حنيفا مسلما مثلي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي أي فخالف ملتي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي فإنك ذو الأسماء الحسنى، والمجد الأسمى، الغنيّ عن الناس أجمعين. وتخصيص الاسمين إشارة إلى سبق الرحمة.