وقال أبو مسلم: المراد بهذه الزرقة شخوص أبصارهم. والأزرق شاخص، لأنه لضعف بصره، يكون محدقا نحو الشيء يريد أن يتبينه. وهذه حال الخائف المتوقع لما يكره. وهو كقوله تعالى: إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ [إبراهيم:
٤٢] ، نقله الرازي. والأول أظهر. يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ أي يتسارّون من الرعب والهول، أو من الضعف، قائلين إِنْ لَبِثْتُمْ أي في الدنيا إِلَّا عَشْراً أي عشر ليال.
قال الزمخشري: يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا، إما لما يعاينون من الشدائد التي تذكرهم أيام النعمة والسرور، فيتأسّفون عليها ويصفونها بالقصر. لأن أيام السرور قصار. وإما لأنها ذهبت عنهم وتقضّت. والذاهب، وإن طالت مدته، قصير بالانتهاء.
ومنه توقيع عبد الله بن المعتز تحت: أطال الله بقاءك (كفى بالانتهاء قصرا) . وإما لاستطالتهم الآخرة، وأنها أبد سرمد، يستقصر إليها عمر الدنيا، ويتقالّ لبث أهلها فيها، بالقياس إلى لبثهم في الآخرة. وقد استرجح الله قول من يكون أشد ثقالا منهم، في قوله تعالى:
قال أبو السعود: ونسبة هذا القول إلى أمثلهم، استرجاع منه تعالى له، لكن لا لكونه أقرب إلى الصدق، بل لكونه أدلّ على شدة الهول. أي: ولكونه منتهى الأعداد القليلة. وكذلك لبثهم بالنسبة إلى الخلود السرمديّ، وإلى تقضي الغائب الذي كأن لم يكن. ولا ينافي هذا ما جاء في آية وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ [الروم: ٥٥] ، لأن المراد بالساعة الحصة من الزمان القليل، فتصدق باليوم. كما أن المراد باليوم مطلق الوقت. ولذلك نكر، تقليلا له وتحقيرا.
قال الشهاب: ليس المراد بحكاية قول من قال (عشرا) أو (يوما) أو (ساعة) حقيقة اختلافهم في مدة اللبث، ولا الشك في تعيينه. بل المراد أنه لسرعة زواله، عبر عن قلّته بما ذكر. فتفنن في الحكاية، وأتى في كل مقام بما يليق به.