لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ لوسّع عليهم أرزاقهم، بأن يفيض عليهم بركات من السماء والأرض، ويكثر ثمرة الأشجار وغلة الزروع، أو يرزقهم الجنان اليانعة الثمار، فيجتنونها من رأس الشجر، ويلتقطون ما تساقط على الأرض. وجعل (من فوقهم ومن تحت أرجلهم) بمعنى الأمطار والأنهار التي تحصل بها أقواتهم- بعيد من الأكل. والأقرب الوجوه الثلاثة المتقدمة. ونبه تعالي بذلك على أن ما أصابهم من الضنك والضيق، إنما هو بشؤم معاصيهم. وكفرهم، لا لقصور في فيض الكريم، تعالى. ودلت الآية على أن العمل بطاعة الله تعالى سبب لسعة الرزق، وهو كقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ [الأعراف: ٩٦] . وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق: ٢- ٣] . فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً.. الآيات. [نوح: ١٠] .
روى الإمام «١» أحمد عن زياد بن لبيد أنه قال: ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم شيئا فقال:
وذاك عند ذهاب العلم قال، قلنا: يا رسول الله! وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا، ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ فقال: ثكلتك أمك يا ابن أم لبيد! إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة. أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل، لا ينتفعون مما فيهما بشيء.
وفي رواية ابن أبي حاتم: أو ليست التوراة والإنجيل بأيدي اليهود والنصارى؟
فما أغنى عنهم حين تركوا أمر الله؟ ثم قرأ: لَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ.. الآية.
مِنْهُمْ أُمَّةٌ أي طائفة مُقْتَصِدَةٌ أي: عادلة مستقيمة، وهم من آمن بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، كعبد الله بن سلام والنجاشي وسلمان وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ أي: بئس ما يَعْمَلُونَ أي: من تحريف الحق والإعراض عنه والإفراط في العداوة. والآية كقوله تعالى: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [الأعراف: ١٥٩] .